Page 26 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 26
العـدد ١٩ 24
يوليو ٢٠٢٠
ُيلزم) -الجميع ال ّصمت ،لكن اختار الجميع -دون من ِخصال ال ِك َرام .فكتمان ال ّس ِّر َأ َمانة وإفشاؤه
أن َي ْطلُ َب منهم أحد -الثرثرة والطنطنة وال ّرطانة خيانة .وقد أثنى أحدهم على فضيلة الصمت
ال ّزائدة.
فقال« :هو زينة بدون حلية ،وهيبة بدون سلطان،
في مصادفت ْين نادرت ْين ومتزامنت ْين ،قادني ال ّصمت وحصن بدون حائط” .ولمَّا كان لل ِّصمت قيمة َن َشده
(أو لِ َن ُق ْل اللّو َذ بال ّصمت إجبا ًرا وتأ ُّد ًبا) إلى إلياس المتص ِّوفة وال ُّزهاد .صمتوا عن اللّغو فهجروا ال ُّدنيا،
فركوح ( ،)2020 -1949المصادفة الأولى بعد ولاذوا بالصحاري والفيافي .وعندما يعجز ال ُّصوفي
وفاته –مباشرة -حيث كن ُت أقلِّب -بال ّصدفة
البحتة -في مجلة «عالم الكتاب» (عدد 91 /90 عن استيعاب التجربة يركن إلى ال ّصمت ،وهو ما
يوليو– أغسطس ،2015الإصدار الثالث :محمد أسماه ابن عربي بـ»ال َخ َرس».
شعير ،وأحمد شافعي وأمير زكي) -والنظر في
المجلة في ح ّد ذاته يستدعي ال ّصمت وال ُّسكوت- ُيقال «ال َّصمت واح ٌد والكلام كثير» ،والحقيقة -في
رأيي على الأقل -أن هذا القول ُمنا ٍف للحقيقة،
ورأي ُت مقالته في نهاية المجلة بعنوانَ :ق َتلة أم َق ْتلى؟ فللصمت دلالات ووجوه متع ّددة ،فليس معنى
المقالة -بدون مبالغة أو تهويل -هي مقالة اللحظة
الصمت ال َقبول ،كما ُيقال –ويتر ّدد -على نحو ما هو
الآنيّة بامتياز مع أنها مكتوبة في .2015مقالة شائع في الأمثولات والأقوال على نحو «ال ُّسكوت
تطالبنا بال ّصمت .لأ ّننا لسنا َق ْتلى كما ن ّدعى بل َق َت َلة علامة ال ِّرضا» ،وبسبب الفهم الخاطئُ ،زوجت
في واقع الأمر .فكما يتساءل بعد أن تص َّد َر «فقهاء فتيات بمن لا َتطيق َو ُت ِح ّب ،لأ ّنها -فقط -خشيت
الظلام» -باستعارة عنوان رواية سليم بركات -أي
العلماء الذين لم يثبتوا عكس هذا ،ال ّساحة وطحل ُبوا أن تبوح بعكس ما تظهر؛ لأن البوح تمر ٌد وخرو ٌج
عن ال َأ ْنساق الثّقافيّة الحا ِكمة المُهيمنة والمُكبِّ َلة في
ال َم ْورد ،وطالبونا بالارتواء .والحقيقة هم في آ ٍن م ًعا ،وكم قبلنا –بصمتنا -أشياء وهي على غير
جوهرهم «فقاء ال ّظلام». إرادتنا (أو رغبتنا) فصارت واق ًعا ملمو ًسا نجت ُّر
عذابه ليل نهار أشبه بسيزيف يحمل صخرته
-فهل نحن ،بعد ما ُيقارب قر ًنا كام ًل من محاولات وعذابه!
التم ّدن ال َّصعبة (بمعنى البناء وفق مفهوم المواطنة)
مجرد وحوش تفترس بعضها بع ًضا باسم الدين؟ إذن -كما تقول سيزا قاسم في دراستها عن «الأدب
والصمت» -هو ثورة واعتراض و َن ْف َر ٌة َو َغض ٌب أو
ال ُّصدفة الثانيّة هي أن دار نشر أزمنة -التي استعلاء ويأس وازدراء وقد يكون ال َّص ْم ُت َتشفيًا
يمتلكها فركوح -هي التي أعادت إصدار رواية
«صمت البحر» للفرنسي جان برولير ،في عام أو شفق ًة أحيا ًنا وغيرها من دلالات تنطوي -أو
،2015واضطررت لقراءتها الآن لو ًذا بالصمت، تستتر -تحت إهاب وستار ال ّصمت ،لكنها تبوح
هار ًبا من جعجة سيوف الحرب .وهي الرواية التي
تضع بلاغة الصمت في موضعها اللائق ،حيث بعكسه.
وبجملة القول ،ال ّصمت رهبة كما هو في أماكن
ال ّصمت يكون ردي ًفا للمقاومة ،وقه ًرا للعدو. العبادة على اختلافها .وفي المعارك لا صوت يعلو
فالرواية بكل بساطة -ودون تخمة أو بدانة سردية فوق صوت المعركة .لكن على مواقع السوشيال
ميديا لا مجال للصمت .وكأ ّن هذه الفضاءات ض ّد
وثرثرة لا طائل منها -تقول :إذا كنت تستطيع أن ال ّصمت ،تستف ّز ال ّصامت بالنطق والدخول في
تحتل بالقوة ما هو مادي ،فإنك مهما امتلكت من
الترند ،بل وتسحبه من الوقار إلى الحقار.
آليات وعتاد لن تمتلك أو -حتى -تهزم ال ُّروح. * ال ّص ْم ُت بلاغ ٌة و ِخ َطا ُب السوشيال ميديا فظاظ ٌة.
فال ُّروح هي العدو اللّدود لك ّل الديكتاتوريات * إذا كان الكلام شهوة ،فإن ال ّصمت ِعصمة وع ّفة
والغزاة .فال ُروح لن تموت ،هي أشبه بأسطورة أي ًضا.
الانبعاث (أو طائر الفينق) التي تولد من رفاة * والصمت في حرم الجمال َجما ٌل ،وهو ما قادني
الماضي ،و ُتخلق أش ّد قو ًة وبأ ًسا مما سبق.
إليه إلياس فركوح رحمه الله.
الواقع الآني يستدعي ِمن -بل يفرض على (أو