Page 29 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 29

‫‪27‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

    ‫في وصف الع ّم العجوز لردة فعلها الغاضبة من‬                            ‫تتب ّدل مهما حدث‪« :‬أتمنى لكما ليلة سعيدة» دون‬
 ‫حديثه‪« .‬رفعت ابنة أخي وجهها‪ ،‬وارتفع حاجباها‬                            ‫أن يقابلها ر ّد‪ ،‬ومع هذا فهو مستم ٌر في ِف ْعله الليلي‪.‬‬
‫عاليًّا ج ًّدا‪ ،‬فوق عين ْين ملتمعت ْين حانقت ْين‪ :‬وشعر ْت‬                ‫الغريب أ ّنه لم يكن َحري ًصا على ‪-‬أو حتى يحاول‪-‬‬

          ‫نفسي أحمر قلي ًل من الخجل»‪( .‬ص‪)35‬‬                                ‫أن «يحصل (منهما) على إجابة‪ ،‬أو على موافقة»‪.‬‬
  ‫رغبة الضابط في استمالتهما ‪-‬العم العجوز وابنة‬                                                                ‫(ص‪)37‬‬
  ‫أخيه‪ -‬لم تتوقف عند الحديث اللّيليّ العذب المُ ْفعم‬
                                                                               ‫لكن التعود فعل خطير‪ ،‬وتكرار الفعل ُيقابله‬
     ‫بالخصوصيّة كنو ٍع من إذابة مساحة ال َّصمت‬                               ‫استجابه ما‪ ،‬وهو ما نجح فيه‪ ،‬فاستطاع بهذا‬
     ‫المُطبق التي َنمت بينهما‪ ،‬فقد «تطاول الصمت‪،‬‬                        ‫الحديث‪ /‬الخطاب المُه ّذب (لو سمحتم‪ /‬بعد إذنكم‪/‬‬
     ‫وتح ّول شيئًا فشيئًا إلى صمت كثيف كضباب‬                                  ‫أعتقد أن مرافقي سيفعل كل شيء في سبيل‬
 ‫الصباح‪ ،‬صمت كثيف وراسخ» (ص‪ )27‬أو تمنّي‬                                     ‫راحتكم‪ /‬إ ّني شديد الأسف‪ /‬قضي ُت ليلة طيبة‬
 ‫قضاء ليلة سعيدة لهما عند انصرافه إلى النوم‪ ،‬بل‬                            ‫َأتمنى أن تكون ليلتكما أي ًضا كذلك‪ /‬أرجو قبول‬
 ‫ا ّتخذت وسائل عديدة منها أنه سعى –جاه ًدا‪ -‬بألا‬                        ‫معذرتي‪ /‬عليّ أن أخبر مضيف ّي‪ )..‬أن يستميل الع ّم‬
‫يظهر أمامهما بال ّزي العسكر ّي‪ ،‬فأخذ ُيب ّدل ملابسه‬                      ‫العجوز‪ ،‬ويجعله يتعاطف معه‪ ،‬وهذه إشارة بالغة‬
   ‫قبل النزول إليهما‪ .‬كما راح يحكي عن رفضه لما‬                              ‫الأهمية‪ ،‬فالرجل العجوز دو ًما ُمسالم‪ ،‬ومن ث ّم‬
‫ُتمليه عليه الأيديولوجيا الألمانيّة‪ ،‬ساعيًا لإظهار ح ُّبه‬                ‫سعى إلى تحريض ابنة أخيه بقبول الآخر‪ /‬العدو‪،‬‬
‫لفرنسا وأدباء فرنسا‪ ،‬وكأنه يكشف زيف الدعايات‬
     ‫الأيديولوجيّة التي تب ُّثها الديكتاتوريات لإرغام‬                                                        ‫فيقول لها‪:‬‬
     ‫الشباب على الحرب‪ ،‬وإن كان في نيتها أسباب‬                           ‫‪« -‬ربما كان من غير الإنسان ّي أن ترفضي التح ّدث‬
    ‫ألمخ َري ِمى ّل اغليرض ُامبعلطنأة‪.‬ثناء حديثه اللّيليّ من النظر إلى‬
     ‫الفتاة؛ علّه يظفر منها بنظرة أو ابتسامة‪ ،‬وعلى‬                                      ‫إليه ولو بكلمة واحدة»‪( .‬ص‪)35‬‬
     ‫المُقابل لم تستسلم الفتاة وكأ ّنها «أشبه بتمثال‬                        ‫‪ -‬ر ّدة فع ِل ابنة الأخ العنيفة على دعوته بتغيير‬
  ‫جميل صامت» لا أثر فيه للحياة «تتم ّسك بأهداب‬                              ‫المعاملة‪ ،‬تعكس عدم المهادنة التي يحملها الجيل‬
  ‫صمت رهيب ُمطبِق ُيشبه ظلام غابة موحشة‪ ،‬لا‬                              ‫الجديد ‪-‬ال ّشباب‪ -‬في وعيه‪ .‬فالأمل دو ًما كما أراد‬
  ‫تنفرج شفتاها عن كلمة أو تنفلت منها ابتسامة –‬                            ‫المؤلف أن يؤ ّكد في الشباب‪ ،‬هم روح المقاومة‪ ،‬إذا‬
                                                                           ‫انطفأت جذوتها ضاع كل شيء‪ .‬فالفتاة لا تقبل‬
                                  ‫ولو خجلى‪.»-‬‬
‫ال ّشاب‪ /‬ال ّضابط الألماني مول ٌع بالموسيقى ويتح َّدث‬                                                  ‫التفريط والتنازل‬
                                                                                                         ‫أو حتى التخ ّل‬
   ‫عن باخ وبيتهوفن‪ ،‬كما كان رومانسيًّا حالمًا‪ ،‬في‬                                                           ‫عن المقاومة‬
  ‫مفارقة تكشف ع ّما ُتمارسه الدعاية الأيديولوجية‬                                                            ‫‪-‬ولو كانت‬
   ‫وهي ُتز ِّيف وعي ال ّشاب‪،‬‬                                                                              ‫صامتة‪ -‬وهو‬
                                                                                                           ‫ما ظهر جليًّا‬

    ‫نزار قبانى‬
   24   25   26   27   28   29   30   31   32   33   34