Page 103 - merit
P. 103

‫‪101‬‬  ‫الإبداع الكردي‬

     ‫قصــة‬

‫حلمت بأنني نزعت مرآتي وعلقتها في غرفتك‪ .‬كنت‬             ‫الأمطارعنيفة وكأنها تريد تحطيم كل من يعترض‬
 ‫جال ًسا تتأملني وتبتسم‪ .‬أخي ًرا تمكن ُت من التحرك‬                                            ‫طريقها‪.‬‬
    ‫في غرفتك المكتظة بالأوراق دون أن أدوس على‬
 ‫أشيائك‪ .‬تعلم ُت أي ًضا كيف أضبط قهوتك كما كنت‬            ‫دخلنا المقهى بصمت‪ .‬سر ُت خلفه‪ ،‬كان معطفي‬
 ‫تحبها‪ ،‬ثم غيرت لون سياج الشرفة وزرعت حب ًقا‬           ‫الأسود المبلل هو الوحيد الذي يصدر صو ًتا وكأنه‬
                                      ‫وياسمينًا‪.‬‬
      ‫كن ُت أتحدث فتمسعني‪ ،‬لم يكن قلبك صامتًا‬              ‫يحتج على هدوئي المخيف‪ .‬جلست وأنا أحاول‬
                     ‫كعادتك بل أخبرتني بالكثير‪.‬‬             ‫استيعاب صمته الرهيب‪ ،‬طلب قهوته المعتادة‬
‫كان العيش معك صعبًا و جمي ًل مثلك تما ًما‪ .‬أتقنت‬        ‫وطلبت قهوتي ولم نقل شيئًا‪ .‬دس يده اليمنى في‬
    ‫الأمر بخطوات بطيئة ولكن ثابتة‪ ،‬وانتهى الأمر‬          ‫جيبه وأخرج تذكرة وأعطاني إياها‪ .‬كانت تذكرة‬
   ‫بنا إلى أحاديث وثرثرات طويلة بطعم الكرز‪ .‬تلك‬            ‫طيران باسمه إلى بلاد بعيدة‪ .‬حدقت في عينيه‬
  ‫التسمية التي أطلقها على الأحاديث الصريحة بين‬          ‫مطو ًل فلم يقل شيئًا‪ .‬عدل من جلسته فظننت أنه‬
                                        ‫المحبين‪.‬‬        ‫سيعطيني تفسي ًرا ما‪ ،‬ولكنه أخذ تذكرته ثم ذهب‬
  ‫في الليالي المقمرة أغفو على قصصك عن أسفارنا‬           ‫ببساطة‪ ،‬واختفى‪ .‬لا أذكر ماذا حدث لي تلك الليلة‬
    ‫الكثيرة‪ .‬لطالما شعرت بالذنب لأنني اعتدت على‬         ‫وكيف سارت الأمور معي‪ ،‬ما أتذكره هو جسدي‬
   ‫تفويت هذه القصص التي كانت من نسج خيالك‬
  ‫والتي تعود َت على سردها وكأنها حقائق موثقة»‪.‬‬                    ‫المبتل الذي ارتطم بالأرض في الشارع‪.‬‬
  ‫نظر ُت إلى صغيري النائم‪ .‬سقطت دمعة على خده‬           ‫كيف عد ُت إلى البيت؟ وكم يو ًما ب ُّت في المستشفى؟‬
             ‫الأيسر ففتح عينيه ونظر إل َّى مبتس ًما‪.‬‬
  ‫وإذ بي فجأة أشعر بشىء غريب‪ ،‬وكأن صو ًتا ما‬             ‫لا أعرف‪ ..‬لم أُ ِر ْد يو ًما معرفة هذه التفاصيل من‬
   ‫يخبرني أن وقت الصحو والإفاقة من هذا الحلم‬                                                    ‫أهلي‪.‬‬
  ‫المجنون قد حان‪ ،‬فاستيقظ ُت من غيبوبتي وطلبت‬
    ‫من السائق التوقف ونزلنا نحن الاثنين‪ .‬أوقف ُت‬       ‫كيف نسيته أو كيف تظاهرت بنسيانه؟ صدقوني‬
   ‫سيارة أجرة وعدت إلى نفس المكان الذي التقي ُت‬           ‫أنا لا أعرف هذا أي ًضا‪ .‬وكأن جز ًءا من ذاكرتي‬
‫فيه الصب َّي‪ ،‬فرأي ُت حش ًدا من الناس مجتمعين أمام‬
  ‫إحدى البيوت‪ .‬مسك الصغير بيدي وأدخلني معه‬              ‫أو جز ًءا مني ُفقد للأبد‪ .‬ثم بدأ ُت بممارسة هواية‬
                                     ‫ذلك البيت‪.‬‬                                 ‫غريبة‪ ،‬كتابة الرسائل‪.‬‬
    ‫ركضت امرأة مسنَّة نحونا وعانقت الطفل بقوة‬
 ‫وكأنه عائ ٌد من مو ٍت ما‪ ،‬وسط اندهاشي وخرسي‬                ‫كن ُت أكتب في الأسبوع مرتين وأحيا ًنا أكثر‪،‬‬
                              ‫المفاجئ‪ ،‬شكرتني!‬           ‫وكأنني بذلك أكمل القصة التي لم تكتمل وأنهي‬
   ‫لم يفلت الطفل يدي‪ ،‬بل أخذني إلى صالة البيت‬           ‫الحديث الذي لم أفتحه يو ًما معه‪ .‬رسائلي لم تكن‬
     ‫وهنالك أشار بكلتا يديه إلى صور ٍة معلقة على‬      ‫تشبهني‪ ،‬كانت أكثرة جرأة وعاطفية‪ .‬هنالك لم أكن‬
‫الحائط‪ .‬كانت الصورة لامرأة تشبهني لح ٍد مخيف‪،‬‬           ‫خائفة من الصد والاعتراض أو حتى من النهايات‬
                              ‫قالت المرأة المسنَّة‪:‬‬       ‫غير المفهومة‪ .‬في تلك المساحة كن ُت ح َّرة وأُشبه‬
   ‫«إنه أبكم‪ ،‬يبدو أنه خرج هذا الصباح باحثًا عن‬        ‫نفسي‪ .‬هكذا أصبحت الرسائل اليوتوبيا التي كنت‬
                                ‫والدته المتوفية»‪.‬‬
            ‫نظرت إل َّى متمعنة ثم أردفت مندهشة‪:‬‬                                        ‫أحلم بتحقيقها‪.‬‬
                    ‫«كم تشبهينها‪ ..‬وكأن ِك هي!»‪.‬‬                                        ‫كتبت له مرة‪:‬‬
                                                      ‫«ستقرأ رسالتي في وقت متأخر من الليل‪ ،‬أعلم هذا‪،‬‬
                                                      ‫فهو الوقت الذي يناسب مزاجك الذي أحببته‪ ،‬ولكن‬
                                                         ‫هل تعرف أنني لم أخبرك أب ًدا بكل شىء‪ .‬تعرف‬
                                                          ‫أنني كتومة ولا يمكنني أن أبدو لطيف ًة معك‪ .‬لم‬
                                                        ‫أعرف أب ًدا ما الذي يحدث معي حين أقف أمامك‪،‬‬
                                                        ‫و ِ َل أتحول لكائن عنيف فأبعدك عني بكل الطرق‪.‬‬
                                                      ‫أنت لا تعرف كم أخجل منك‪ ،‬لن تصدق ذلك ولكنها‬

                                                                                             ‫الحقيقة‪.‬‬
                                                                                  ‫كنت أحلم بك كثي ًرا‪..‬‬
   98   99   100   101   102   103   104   105   106   107   108