Page 106 - merit
P. 106

‫العـدد ‪44‬‬  ‫‪104‬‬

                                                       ‫أغسطس ‪٢٠٢2‬‬

‫شريف مراد‬

‫(تركيا)‬

‫العصمة‬

  ‫كان يقف أمام نافذة غرفته التي تطل على حوش بيتهم‬
‫القروي يقرأ بشغف في كتاب فلسفي‪ ،‬ويكرر فقرة تتعلق‬

     ‫بالأخلاق عند اليونانيين‪ ،‬فسمع صوت أنثى تنادي‪:‬‬
                       ‫‪ -‬زوجة عمي‪ ،‬خالتي فلانة‪..‬‬

     ‫ضربات قلبه الفت ِّي بدأت في ازدياد وتسارع ولهفة‪،‬‬
     ‫وشعر بهيجان غريب في ضغط دمه‪ ،‬فأدرك أن هذا‬
  ‫الصوت يعود إلى من كانت قبل ثلاث سنوات تقول‬
  ‫له‪“ :‬أنا أحبك‪ ،‬أنا أطير بجناحين خياليين في الهواء‬
‫عند رؤيتك!! يا حبيبي‪ ،‬لا حياة من دونك”! فجعل من‬
‫قلبه الصغير ‪-‬الذي لم يسبق له أن عرف مثل تلك‬
‫الكلمات الغرامية الرائعة‪ -‬يتراقص فر ًحا ويتج َّل‬
    ‫طر ًبا‪“ ..‬يا حبيبي لا أرى الرجولة إلا فيك”!‬
     ‫تذ َّكر ما كان يقوم به كل ليلة بعد عودته من‬
  ‫عمله المرهق طوال النهار آنذاك‪ ،‬إذ ما إن ينتهي‬
   ‫من تناول طعام العشاء حتى يسرع إلى غرفته‬
‫ليغير ملابسه‪ ،‬ويخرج من خزانته الصغيرة علبة‬
  ‫صغيرة من عطر (لاكيمان أصانص) ويتد َّهن به‪،‬‬
 ‫ثم يمشط شعره ويخرج؛ ليمشي في الشارع الذي‬
   ‫تقطن فيه الحبيبة الحالمة‪ ،‬ويح ِّدق نظره في ظلام‬
    ‫الليل الحالك لعله يحظى بنظرة خاطفة منها‪ ،‬أو‬
  ‫يسمع بعض كلماتها الناعمة لتنعش قلبه الولهان‪،‬‬
 ‫أو يحظى برؤية وجهها المشرق ولو للحظة واحدة لا‬
  ‫تتجاوز ثوان َي معدودات‪ ،‬فما إن يمر أمام باب دارهم‬
 ‫مرة أو مرتين ولا ُيشفى غليله من رؤيتها حتى ينقطع‬
 ‫أمله فيعود أدراجه خائبًا إلى البيت‪ ،‬ويأوي إلى فراشه‬
      ‫يائ ًسا متأم ًل فيما حوله من ظلمة وفراغ‪.‬‬
      ‫يسترجع أول لقاء ت َّم بينهما‪ ،‬وكيف م َّدت‬
  ‫يدها إليه لتسلم عليه‪ ،‬وكيف م َّد هو الآخر يده‬
   ‫ليصافحها‪ ،‬واستغرب وقتها من جرأتها تلك‪،‬‬

          ‫ولاسيما حين تقول له وأمام أختها‪:‬‬
‫‪ -‬البارحة عندما رأيتك مع عمي وأنتما جالسان‬
‫تتجاذبان أطراف الحديث‪ ،‬ث َّم قدم ُت لكما القهوة‪،‬‬
   101   102   103   104   105   106   107   108   109   110   111