Page 111 - merit
P. 111
109 الإبداع الكردي
قصــة
شمس عنتر
(سوريا)
ُمهشم الأرواح
الأطفال يصدقون الوعود ولا ينسونها ،ويرفضون فتتوا الوطن ليرشقوا العدو.
التأجيل غير مدركين صعوبة أن تكون جرة الغاز غادة السمان
فارغة أو جيب والدهم فارغ ،المهم ألا تكون كرتهم
جث ْت إلى جانب سريره وتأمل ْت ملامحه التي تنضح
فارغة من الهواء ،هم يطلبون وكفى! بالبراءة وبالغ ْت في تغطيته ،كمن تخفي كنزها عن
جددت له وعدها ودس ْت في يده الصغيرة شطيرة اللصوص ،كالسلحفاة مد رأسه من تحت الدرقة
ملفوفة بعناية ،فقضمها وركض خلف كرته الهاربة صار ًخا :هذا ثقيل!
لكنها اكتف ْت بابتسامة وتوجهت إلى خارج الدار،
من ضربة قدمه الصغيرة. مد ْت نظرها إلى الشمال ،رياح باردة ورؤية تلك
خرج الجد الطاعن في الأوجاع ،مترهل القلب، الأضواء تصفعها ،تنهدت بحرقة ،رفعت نظرها إلى
مهترئ الروح ،لم يجتز سور الدار المسيج بأحجار السماء:
-يالله! كيف ستهدأ خواطرنا؟
مرصوصة تؤنس إحداهما الأخرى. حتى النجوم تتحدانا بلمعانها! يا رب! إنه كانون
جلس على قارعة الشتاء ،بمعية البرد منتظ ًرا المطر. الثاني وليس أيلول.
تكنس الأم حدود تلك اللوحة القاتمة التي خلفتها التربة حمراء على مد النظر وكأن قدم التركي قد
دعسته فأبت الحشائش أن تنمو فيه .أطنان من
المداخن أمام الدار. المخاوف تنهشها.
العمة تنشر الغسيل المثقل بالماء على ذلك الحبل كان ْت قد سمع ْت من نشرة الأخبار“ :حركة القوات
التركية على الحدود مريبة ،لكن القوات الروسية
المعقد بعقد متقاربة ،والذي ارتخى حتى تكاد برفقتها” ،فرددت الجملة الأخيرة كمن تطمئن
الملابس أن تقبِّل الأرض ،وكلب هزيل ينبش التراب نفسها.
وانشق ثوب العتمة ،فدب ْت الحياة في المنزل ،والأم
بكسل. كالشمس تنشر أشعتها في كل زاوية ،لكنها حين
فجأة دوى صوت رهيب ،فانتفض الطفل مذعو ًرا. لململت شعرها الكثيف لسع ذاكرتها ذلك الحلم
الشنيع ،لقد رأت نفسها صلعاء تما ًما وهي تركض
كانت الحياة في تلك اللحظات في طريقها لتفقد معاكسة الحشود السائرة إلى المجهول .انقبض
قداستها ونقاءها وتتوشح بالرذيلة! قلبها وانقلب ْت سحنتها ،فتمتمت تردد بعض الآيات
استدار صار ًخا :ماما.. والأدعية .أقبل الصغير نحوها ُمذ ِّك ًرا إياها بوعدها
بشراء كرة جديدة له.
فإذا بأفراد أسرته مسربلين بالدماء ،الجحيم
فتح أبوابه وأصبح الأفق مشتع ًل بالنار ،حاول
أن يركض ،قذيفة غادرة تربصت به ورفعته عن
الأرض كطائر ذبيح حتى اقترب من الشمس التي
تبقعت بالدماء ،من هناك شاهد دارهم وقد تحولت
إلى ركام ،شعر بخفة جسده ،فساقه تطير بعي ًدا عنه
ثم تهبط إلى جانب كرته المبعوجة ،وتدحرجت فردة
حذائه لتستقر ببركة من الدماء.