Page 110 - merit
P. 110
العـدد 44 108
أغسطس ٢٠٢2
حينها فهم ريزان كلامها ،وتوضح له سبب فردت مبتسمة :وفاء من الشام.
تصرفاتها ،فتركها ،وتوجه نحو النافذة ،ينظر في وهما يفطران بصمت قالت وفاء :السائق ظننا
زوجين ..وحينما لم يعلق ريزان على كلامها،
العتمة البعيدة! أضافت :هل لي أن أعرف ما سبب اضطرارك للسفر،
أضافت وفاء :تركت ورائي كل شيء ..والدي يملك
وعدم قدرتك على العودة.
مصن ًعا للمنسوجات ،وأنا لم أكن أقيم معهم في رفع ريزان نظره نحوها ،ثم أضاء لوحة هاتفه،
البيت ،بل أقضي معظم الأوقات في مزرعة العائلة، وأتاح لها أن تلقي نظرة على ما نشره صبا ًحا.
وبعد بضعة دقائق وهي تتصفح ،وتقرأ التعليقات
بعيدة عنهم ،وعن صخب المدينة ..أرسم لوحات قالت :ما الذي أوقعت نفسك فيه ..أنت الآن مطلوب
معتمة ..حتى غدت كل المزرعة سوا ًدا ..مللت كل من الحكومة ،ومن المتطرفين الإسلامين كليهما.
ظل ريزان صامتًا ،وهو يلوك لقمة ،وكاد أن يغص
هذا الفراغ في حياتي ،ولن أعود لها.
ظل ريزان أمام تلك المفاجأة متح ِّصنًا بالصمت، بها ،فناولته قد ًحا من الماء.
وكأنه يخجل من النظر نحوها ..إلا أنه وجد ما وما الذي دفعك لذلك؟
يمكن الحديث به ،فقال بكلمات متلعثمة :وفاء أنا لا
رد ريزان وهو يمسح عينيه :كنت أخطط اللجوء
أملك المال كي أسدد لك ما دفعته للرجل. للسفارة الفرنسية.
فضحكت :وأنا لم أطالبك بشيء.
طرقت وفاء بإصبعها على الطاولة مندهشة :يا لك
توجه ريزان للمطبخ ،وح َّضر القهوة ،وعندما عاد من مغامر ..ولكن لا أخفيك أنا معجبة بفكرتك.
للغرفة كانت وفاء نائمة .تركها راج ًعا للمطبخ ،وظل
يقرأ الرسائل التي ترده ،وسيل الشتائم التي تطاله. ظ َّل يتحدثان كثي ًرا عما مرت به سوريا من أحداث
في السنوات الأخيرة ،ولكن ريزان لم يسألها عن
في حوالي الساعة الرابعة كانا يسيران خلف ذلك سبب مغادرتها هي ،حل الليل ،وبدأت أصوات
السائق ،وهو يتوغل بهما نحو الأراضي اللبنانية،
مع الشفق كان رجل آخر ينتظرهم في بستان مليء مولدات الكهرباء تأتيهم من الجوار .وفجأة أضيئت
بالحشائش .تحدث معه السائق على انفراد للحظة، الغرفة.
ثم غادر وهو يشيعهما بابتسامة محفزة.. كانت وفاء تمدد رجليها على الكنبة ،وتسند رأسها
في حوالي الساعة السادسة صبا ًحا تر َّجلا في على مخدة صغيرة ،فبدا نهداها بارزين ،وشعرها
بيروت ..السيارة ابتعدت ،في حين ظل كلاهما منسد ًل على كتفها ،وعندما لاحظت أن ريزان ينظر
صامتين ،وضعت وفاء ورقة قد دونت عليها رقم نحوها ،وضعت هاتفها الجوال من يدها ،وابتسمت
هاتفها مع بضع ورقات مالية في يده ،وابتعدت له ،فتجاسر ،وقام نحوها ،وجلس بالقرب من قدمها،
عنه ،وبعد بضع خطوات التفتت إليه ،وقالت بمودة: وهو يضع يده على ركبتها ،سحبت وفاء رجليها،
لا تتردد في الاتصال إن احتجت لأي شيء ..ثم وضمتهما إلى صدرها ،فبدت متكومة على نفسها،
ابتعدت وهي ترفع هاتفها الجوال لتجري اتصا ًل وقالت بنبرة هادئة :ريزان ..أنا ليست لدي أية رغبة
بفرح ،بينما ريزان دس تلك الأوراق في جيبه في الرجال ..وحينما أيقنت أنه لم يع كلامها ،وظل
بخجل ،وسار نحو أحد المارة يسأل عن السفارة ينظر في عينيها ..أضافت :أنت لم تسألني عن سبب
الفرنسية. مغادرتي ..أليس كذلك؟
---- فأومأ ريزان برأسه مواف ًقا على كلامها فأضافت:
هامش: لأنني تركت رسالة في البيت أوضح لهم هذا الأمر.
* هي كلمة كردية مركبة تعني فوق خط سكة فقال ريزان بدون تفكير :أي أمر؟
القطار وتحت خط سكة القطار ..السكة التي بعد لحظة صمت ،وهي تنظر نحو النافذة ،ردت
أصبحت ترسم حدو ًدا بين سوريا وتركيا في
بصوت واثق :إنه لا رغبة لي في الرجال ..وأنا
مباحثات ترسيم الحدود خلال سنوات العقد الثاني مغادرة إلى لبنان لألتقي بصديقة لنا رغبة في بعضنا.
والثالث من القرن العشرين.