Page 109 - merit
P. 109

‫‪107‬‬  ‫الإبداع الكردي‬

     ‫قصــة‬

            ‫همست الفتاة‪ :‬لست قادرة على العودة‪.‬‬            ‫رد الحارس بإيماءة من رأسه نحو عسكريين‬
    ‫فهمس ريزان بدوره وهو ينظر للبعيد‪ :‬ولا أنا‪.‬‬        ‫آخرين كانا يلصقان منشو ًرا على بوابة غرفة قطع‬
    ‫فرد السائق المنديل بين يديه‪ ،‬وألقاه على مقدمة‬
  ‫السيارة‪ ،‬وقال دون أن ينظر نحوهم‪ :‬ماذا قررتم‬                                                ‫التذاكر‪.‬‬
                                                        ‫وحينما قرأ الاستغراب على محيا ريزان‪ ،‬أضاف‬
                                          ‫أخي؟‬         ‫الحارس بلا مبالاة‪ :‬قرار الحظر‪ ..‬بسبب كورونا‪.‬‬
     ‫جازف ريزان بالرد‪ :‬هل من طريقة ما لتجاوز‬             ‫تراجع وهو يبتلع ريقه‪ ..‬يا إلهي أي فخ أوقعت‬
                                                          ‫نفسي فيه؟! ارتمى على المقعد الخشبي بتثاقل‪،‬‬
                                       ‫الحدود؟‬
  ‫التفت السائق‪ ،‬وتأكد من عدم وجود أحد بالقرب‬               ‫وقلق ظاهر‪ ،‬وعيناه ساكنتان كأنها بلا رؤية‪.‬‬
                                                       ‫في الطرف الآخر كانت فتاة سمراء رشيقة الجسد‬
           ‫منهم‪ :‬نعم‪ ،‬ولكن يكلفكم مبل ًغا من المال‪.‬‬    ‫تجلس قبالته‪ ،‬ولا تقل عنه قل ًقا‪ ،‬فهي منذ الصباح‬
‫وقبل أن يتكلم ريزان‪ ،‬قالت الفتاة‪ :‬اتفقنا‪ ،‬وهي تمد‬    ‫تقضم أظافرها بحركة غريبة‪ ،‬وأحيا ًنا تجري مكالمة‬
                                                     ‫هاتفية‪ ،‬دون أن تخفي ابتسامة العشق عن محياها‪..‬‬
      ‫يدها لحقيبتها الصغيرة‪ ،‬وأضافت كم المبلغ؟‬         ‫قامت من مكانها‪ ،‬واقتربت منه‪ ،‬وبادرته السؤال‪:‬‬
    ‫قال السائق وهو ينظر لريزان‪ :‬ثمانمئة دولار‪..‬‬
  ‫وأضاف موض ًحا عن كل شخص أربعمئة دولار‪.‬‬                                           ‫ماذا قال الحارس‪:‬‬
    ‫ظل ريزان صامتًا وهو يعاين الفتاة تفتح طرف‬             ‫وهو يعاين التوتر البادي في نبرة صوتها‪ ..‬رد‬

                     ‫حقيبتها وتبين المال للسائق‪.‬‬                      ‫ريزان بعجالة‪ :‬الحارس يقول‪.. :‬‬
 ‫مط السائق شفتيه‪ ،‬وفتح باب السيارة‪ ،‬وأشار لهم‬          ‫إلا أنه قبل أن يتكلم‪ ،‬كان مكبر الصوت يطلب من‬

                               ‫بالركوب‪ :‬لننطلق‪.‬‬           ‫الجميع مغادرة البوابة الحدودية خلال نصف‬
‫أخدت السيارة بعد مسافة أقل من أربعة كيلومترات‬           ‫ساعة‪ ،‬والالتزام بقرار الحظر ج َّراء وباء كورونا‬

  ‫طري ًقا فرعيًّا يتجه نحو الجنوب‪ ،‬وبعد حوالي ربع‬                      ‫الذي وصلهم صباح هذا اليوم‪.‬‬
                  ‫ساعة وصلوا إلى قرية حدودية‪.‬‬            ‫حين سمعت الفتاة هذا الصوت‪ ..‬جلست بقربه‪،‬‬

   ‫التفت السائق نحوهم وقال‪ :‬اليوم تقضون الليلة‬            ‫وكأنها تعرفه منذ سنوات‪ ،‬وسألت بقلق‪ :‬وما‬
      ‫هنا‪ ،‬وقبل الفجر نغادر مشيًا مسافة قصيرة‪،‬‬                                                ‫العمل؟‬
    ‫وفي الطرف الآخر‪ ،‬هناك من سيوصلكم إلى أي‬
                                                          ‫كاد أن يرد عليها قائ ًل‪ :‬أنا من أدخل رأسه في‬
 ‫مكان تريدونه‪ ..‬وبعد لحظة صمت أضاف‪ :‬وطب ًعا‬                           ‫أنشوطة الإعدام‪ ..‬فما بالك أنت؟!‬
 ‫ستدفعون له مبل ًغا آخر‪ ..‬أقل مما اتفقنا عليه نحن‪.‬‬
‫هز ريزان رأسه باستغراب‪ ،‬بينما فتحت الفتاة باب‬           ‫إلا أنه أحجم عن ذلك‪ ،‬وقال مستفس ًرا‪ :‬يبدو أنك‬
                                                                        ‫كذلك مضطرة لمغادرة سوريا؟‬
                        ‫السيارة‪ ،‬وشدته من يده‪.‬‬
 ‫كانت القرية عبارة عن بضعة بيوت متناثرة تحيط‬               ‫تركت المقعد‪ ،‬وهي تردد بصوت خافت‪ :‬نعم‪.‬‬
‫بها الكثير من البساتين‪ .‬فتح السائق الباب‪ ،‬ودعاهم‬          ‫بدأ الناس بالمغادرة‪ ،‬وخلا المكان تقريبًا‪ ،‬بينما‬
   ‫للدخول‪ ،‬وقال لريزان‪ :‬أخي بإمكانكم التجول في‬           ‫ريزان بخطوات مترددة كان يقترب من سيارة‬
                                                        ‫عمومية‪ ،‬وهو لا يرفع رأسه عن إشعارات هاتفه‬
    ‫البيت على راحتكم‪ ..‬المطبخ فيه كل ما يلزمكما‪..‬‬      ‫الجوال‪ ،‬والتي معظمها تعليقات بالوعيد والتهديد‬
   ‫وأتمنى ألا يلاحظ أحد وجودكما‪ ،‬يفضل أن تظل‬
‫النوافذ مغلقة‪ ..‬ثم أضاف‪ :‬الليلة سأنام أنا في البيت‬                               ‫على منشوره الأخير‪.‬‬
    ‫المجاور‪ ..‬وقبل أن يتركهما‪ ،‬قال‪ :‬حوالي الساعة‬        ‫أمام السيارة كاد أن يرتطم بتلك الفتاة السمراء‪،‬‬

    ‫الرابعة صبا ًحا كونا متجهزين‪ ..‬ثم غادر تار ًكا‬         ‫والتي كانت بدورها متوترة وتبدو قلقة ج ًّدا‪.‬‬
    ‫خلفه ريزان منده ًشا لكل ما يحدث‪ ،‬بينما الفتاة‬      ‫التفت إليهما السائق‪ ،‬ووجه كلامه لريزان‪ :‬لم يبق‬
                                                     ‫أحد غيركما‪ ،‬هل تودان دفع الإيجار كام ًل‪ ..‬لننطلق‪.‬‬
         ‫التي لا يعرف اسمها قالت‪ :‬ألست جائ ًعا؟‬        ‫نظر ريزان إلى الفتاة‪ ،‬بينما انشغل السائق بمسح‬
     ‫في المطبخ‪ ،‬وبينما هي تعد الشاي‪ ،‬اقترب منها‪،‬‬
     ‫وقال‪ :‬ريزان أنا‪ ،‬ريزان من قامشلو‪ ..‬قامشلي‪.‬‬                                       ‫زجاج سيارته‪.‬‬
   104   105   106   107   108   109   110   111   112   113   114