Page 101 - merit
P. 101
99 الإبداع الكردي
قصــة
أن الرجل الذي يسمى أبو سياف الحموي لا يزال البحث عن الحقيقة.
محتف ًظا ببقايا ذلك الشاب الطموح الذي كان يسمى ذكرتني صورة ابن لادن المعلقة في الغرفة التي
يو ًما ما محمود. قابلته فيها بصورة ماركس التي كانت معلقة
في لحظات الوداع الحساسة هذه ،لم أتمكن من فهم في غرفته في حلب في أيام الدراسة .أحسست
ما يجول في خاطره ،إلا أن الدموع تدافعت إلى عين َّي بأنه قد تم تبديل لحية بن لادن بلحية ماركس.
انتشلتني نبرة صوته الجهوري من أعماق بئر
أي ًضا على حين غرة ،وفكرت في احتضان صديقي الذكريات البعيدة مع محمود ،ووضعتني وج ًها
القديم للحظات والغرق معه في البكاء بصوت لوجه مع رئيس أركان جيش المجاهدين الشيخ أبو
سياف الحموي الذائع الصيت .وانتقلت من أجواء
مرتفع .وقبل أن تصل مشاعري المشتعلة تلك إلى خيالية لصديقين شابين إلى أجواء رجلين تجاوزا
حد الانفجار ،حمل أبو سياف الحموي نفسه متأهبًا الخمسين ،أحدهما صحافي والآخر قائد لفصائل
مسلحة ،والحديث سيتناول وطنًا جري ًحا تتقاسمه
للخروج .وخرج ُم َراف ًقا بعشرات المسلحين الذين قوى وجهات وجماعات مسلحة .استقبلني بصوته
كانوا ينتظرون قدومه إليهم بفارغ الصبر .وبذهابه الجهوري وبفرح غامر ،عبر عن سروره بمجيئي
إليه ،صافحني بمودة ،إلا أنه أي ًضا لم يكن مستع ًّدا
سقط على الأرض بين يد َّي سؤال محزن: لاحتضاني .جلسنا وج ًها لوجه .لكي تتبدد آثار
-يا الله ،أين كنا ..ووصلنا إلى أين؟ المفاجأة التي أغرقتني في الذهول ،بدأ بالسؤال
عن أحوالي وأخباري الشخصية .لم تتغير ملامح
لم يبح لي هو بما يشعر به ،ولم يكن متا ًحا لي محمود كثي ًرا ،سوى أن شعيرات بيضاء كانت قد
أن أبوح بما أشعر به .لم يكن هناك وقت سوى انتشرت في لحيته وشعره ،لكنها لم تستطع الحد
للموت والقتل ،لم تكن هناك أية فرصة لكي يلتفت من ثقته واعتزازه بنفسه .قبل أن نبدأ بحديثنا أمام
الكاميرا ،قال لي وكأن كل تلك الذكريات المشتركة
أحد منا إلى ما يجول في خاطره من أحاسيس
ومشاعر ،في حين انحصرت كل أمنيات ورغبات كانت حاضرة بيننا وبقوة:
-قد يبدو لك وضعي غريبًا وتفاجأت بما رأيت،
أناس هذه البلاد المنكوبة في هدف وحيد وهو ولكن الأمر بالنسبة لي مختلف تما ًما .أعتقد أنك لم
البقاء على قيد الحياة .وقدم المسلحون الثلاثة الذين تنس بعد أنني أقاتل الآن قتلة أبي وأمي ،اللذين
كانوا بانتظاري وسلكنا طريق العودة من حيث قتلا في بيتهما الآمن دون أن يرتكبا أي ذنب.
أتينا البارحة .ووصلنا إلى النقطة التي كنت قد لم يفقد محمود بعد قوة الإقناع التي كان يتميز
انطلقت منها ،فشكرتهم على مرافقتهم لي وعادوا بها .كان شديد الثقة بإمكانياته المميزة في مجال
فخورين بإنجاز مهمتهم على أكمل وجه .توجهت القيادة ،مما أكسبته كاريزما لا تتوفر لدى الكثيرين
إلى مكان عملي ،كان مدير التليفزيون بانتظاري مع
أسئلته التي كانت تخفي فضو ًل هائ ًل ،يعكس مدى من القادة والزعماء .لا أخفي إعجابي الشديد
حماسه لاستلام الحوار الذي أجريته للتو مع أبي بمحمود الذي كان يؤدي دوره كصديق قديم خلف
سياف الشهير: الكاميرا ،يستمع إل َّي بكل حواسه ،وكقائد لفصيل
-الحمد لله على السلامة ،طمننا عن الأحوال ،كل مسلح يبدي رأيه بكل وضوح أمام الكاميرا،
شيء تمام؟ كيف كانت المقابلة؟ مجاو ًبا على كل الأسئلة التي طرحتها ،وذلك دون
حياتي بعد هذه المقابلة لن تكون مثل قبلها .كانت أن يتعارض هذان الدوران المتناقضان إلى أبعد
مقابلة غيرت لي حياتي ،هكذا يمكنني وصف حد .كان محمود بعد انتهاء المقابلة مستعج ًل ،يود
اللقاء .كانت الحرب قد قلبت حياة صديقي محمود المغادرة على الفور .أذهلتني الدموع المتزاحمة في
رأ ًسا على عقب محولة إياه إلى أبي سياف ،قاطع عينيه لدى قدوم لحظات الوداع .كان ذلك دلي ًل على
الرؤوس البشرية .كما أن مقابلتي مع محمود قد
غيرتني ،محول ًة إياي إلى إنسان آخر ،مختلف،
وما زلت حائ ًرا في إيجاد تسمية دقيقة لماهية هذا
الـ«مختلف».