Page 99 - merit
P. 99

‫‪97‬‬  ‫الإبداع الكردي‬

    ‫قصــة‬

‫ومراسلي وكالات الأنباء‪ .‬ربما يكون الأمر لدى أبي‬      ‫تعصف برأسي جانبًا‪ ،‬وسلمت أمري إلى المسلحين‬
   ‫سياف مختل ًفا عن الكتائب الأخرى‪ ،‬ولذلك حقق‬         ‫الثلاثة الذين سيدخلونني إلى منطقة نفوذ المجاهد‬
    ‫«جيشه» كل هذه الانتصارات الملفتة‪ .‬استأذنني‬         ‫الكبير أبو سياف الحموي ويعيدونني إلى مكاني‬

‫أحد المسلحين باحترام شديد لتعصيب عين َّي بقطعة‬            ‫الأول‪ ،‬حيث أنا الآن‪ .‬لم يسمح لزميلي المصور‬
   ‫قماش سوداء‪ ،‬وذلك للضرورة الأمنية‪ .‬ولكي لا‬            ‫بمرافقتي‪ ،‬فحملت عدة التصوير بنفسي‪ ،‬ودعت‬
   ‫يتعرف الضيف على مكان قائد المجاهدين الشيخ‬
  ‫أبو سياف الحموي‪ ،‬وهو جزء من التعليمات التي‬              ‫زميلي المصور وصعدت السيارة مع المسلحين‬
     ‫يتلقاها هؤلاء المسلحون من قادتهم ولا بد من‬       ‫الذين تم إرسالهم خصي ًصا لترتيب إجراءات‬
    ‫تنفيذها‪ .‬لذلك أبديت تفهمي للأمر وساعدته في‬
                                                        ‫المقابلة‪ .‬مدة الطريق التي كانت تستغرق‬
‫ذلك‪ .‬بعد مشوار ليس بطويل وقفت السيارة‪ ،‬نزلت‬            ‫معنا في أيام الدراسة في جامعة حلب من‬
   ‫منها‪ ،‬أمسك أحدهم بيدي وقادني إلى أن سمعت‬              ‫ثلاث إلى أربع ساعات‪ ،‬وتمتد إلى حوالي‬
                                          ‫كلمة‪:‬‬      ‫ثلاثمائة كيلومتر‪ ،‬استغرقت معنا هذه المرة‬
                                      ‫‪ -‬وصلنا‪.‬‬          ‫أكثر من اثنتي عشرة ساعة‪ .‬نمت تلك‬
                                                     ‫الليلة في بيت مهجور يستخدمه المسلحون‬
  ‫أزاح قطعة القماش السوداء عن عيني‪ .‬علمت أنني‬        ‫كفندق لضيوفهم‪ .‬كانوا قد أخذوا مني كل‬
  ‫مررت من خلال أبواب كثيرة‪ ،‬لكنني لم أعلم فيما‬       ‫أغراضي‪ ،‬بما فيها ساعة يدي وهاتفي‬
                                                       ‫الخليوي ووعدوني بإعادتها كلها‬
     ‫إذا كنا في شارع فوق الأرض أو في ممر تحت‬            ‫إل َّي في اليوم التالي‪ .‬وفي الصباح‬
  ‫الأرض‪ ،‬ولم أعلم فيما إذا كنت في قرية أم في بلدة‬       ‫الباكر قدم إل َّي المسلحون الثلاثة‬
   ‫من البلدات الكثيرة في ريف حلب‪ .‬كأن المسلحين‬
                                                            ‫بلحاهم الطويلة‪ .‬أحضر أحدهم الشاي‪،‬‬
    ‫الذين رافقوني قد تمكن منهم التعب أكثر مني‪.‬‬       ‫وانشغل الآخر بتحضير الخبز واللبن‪ ،‬فيما بدأ‬
    ‫نظرت حولي‪ ،‬على عكس توقعاتي‪ ،‬لم يكن المكان‬
    ‫الذي تواجدت فيه كه ًفا مهجو ًرا أو دهلي ًزا تحت‬     ‫الثالث بقلي البيض‪ .‬كان واض ًحا أن هؤلاء‬
‫الأرض‪ .‬ما فهمته أنه لم يكن مكا ًنا مخص ًصا للشيخ‬      ‫المسلحين يعرفون بعضهم عن قرب وأنهم‬
     ‫وإنما قد تم تخصيصه لمثل هذه اللقاءات‪ ،‬وأن‬
  ‫كل من يتواجد الآن في المكان سيغادره بعد انتهاء‬          ‫رافقوا الكثيرين من أمثالي إلى «منزل‬
‫المقابلة مع الشيخ‪ .‬كان واض ًحا أن مسلحيه أي ًضا لا‬    ‫الضيوف» هذا‪ .‬تناولنا الفطور على عجل‪،‬‬
‫يعلمون بمكان تواجده‪ .‬أخبروني بأن الشيخ لا يود‬          ‫وكانوا يخاطبونني فقط بكلمة الأخ‪ .‬ولم‬
  ‫إظهار وجهه أمام الكاميرا‪ ،‬وقد أعدوا للقائي معه‬
  ‫بطريقة يكون فيها ظهر الشيخ أبو سياف باتجاه‬                   ‫يتردد أحدهم في القول مبتس ًما‪:‬‬
  ‫الكاميرا‪ ،‬وأن الغرفة المحاذية جاهزة لإجراء اللقاء‬                      ‫‪ -‬الشيخ موصينا فيك‪.‬‬
‫المرتقب‪ .‬سيتم تسجيل اللقاء من قبل الفريق التقني‬
  ‫المتواجد بالمكان وسيسلم إل َّي الشريط المسجل بعد‬      ‫وتوضح بأنهم ينادون زعيمهم «أبوسياف‬
                                                        ‫الحموي» بالشيخ‪ .‬وإن كان أحد المسلحين‬
                                    ‫انتهاء اللقاء‪.‬‬      ‫قد نقل لي ذلك لطمأنتي أو ربما للحد من‬
   ‫ذكرتني ترتيبات هذا اللقاء بالترتيبات التي تتخذ‬
  ‫لدى إجراء لقاء مع رئيس وزراء دولة أو شخص‬                ‫ارتباكي الظاهر‪ ،‬إلا أن ذلك قد زاد من‬
    ‫يجلس في أعلى قمة الهرم‪ .‬كان كل شيء مجه ًزا‬                                ‫توتري‪:‬‬
  ‫بشكل جيد بانتظار قدوم رئيس الأركان في جيش‬
                                                       ‫‪ -‬ولماذا سيوصي الشيخ بنفسه‬
    ‫الجهاديين الذين بسطوا سيطرتهم على كل تلك‬         ‫مجاهديه هؤلاء للاهتمام بي وعدم‬
  ‫المناطق الشاسعة‪ .‬لم يطل الانتظار‪ ،‬وأخي ًرا قدمت‬
                                                                             ‫إزعاجي؟‬
     ‫تلك اللحظة التي كنت بانتظارها طوال الوقت‪.‬‬         ‫ما أعلمه عن أبي سياف الحموي‬

                                                         ‫وعن الكتائب الجهادية الأخرى‬
                                                            ‫أنها لم تكن إلى هذه الدرجة‬

                                                         ‫حريصة على حياة الصحافيين‬
   94   95   96   97   98   99   100   101   102   103   104