Page 95 - merit
P. 95

‫‪93‬‬  ‫الإبداع الكردي‬

    ‫قصــة‬

   ‫صمتهم الرهيب‪ ،‬ولا صرير قبلاتهم الجافة‪ ،‬ولا‬           ‫أمضي معهم ولا أدري إلى أين‪ ..‬ربما يتجهون‬
     ‫ابتساماتهم المتشنجة‪ ..‬فقط أعلم أنني في أسوأ‬        ‫نحو اللا اتجاه ويحتسون الصمت الرهيب فلا‬
    ‫الأحوال‪ ،‬وأنهكت روحي إعاقة ابننا الذي عجز‬       ‫يسكرون ولا ينتشون‪ ،‬حتى القناني الفارغة عندهم‬
                                                    ‫تباع بنصف الثمن‪ ،‬وبيوت الدعارة مرخصة ولكن‬
   ‫الأطباء عن علاجه‪ ،‬والذي انهكني أكثر هو لهيب‬          ‫الأسعار تختلف وهذا ما أربكني‪ ..‬أما الحانات‬
  ‫الشوق لأبي الذي توفي منذ عامين ولم أره وأقبل‬      ‫والملاهي الليلية فلها أسيادها‪ ..‬ونحن لا نملك حتى‬

                                  ‫يده لآخر مرة‪.‬‬                             ‫سيادة أنفسنا الحائرة‪.‬‬
  ‫ها أنا أمامك جسد غادرته الروح‪ ..‬تقول بهار هذا‬     ‫ترد بهار بصوت خافت‪ :‬نعم هنا كل شيء‬
 ‫الكلام ودموعها كسيل جارف‪ ،‬يمد زوجها ذراعيه‬         ‫على ما يرام‪ ،‬ولكني لست على ما يرام‪ ،‬ولا‬
                                                      ‫يعنيني تسابقهم‬
   ‫ويضمها لصدره ضمة طويلة وكأنه يض ُم وجه‬            ‫مع الزمن ولا‬
 ‫وطنه المتعب من النزاعات والحروب‪ ،‬يلامس خدها‬

    ‫الرطب كما نسمات تداعب حقول سنابل بلاده‪،‬‬
    ‫يقبل جبينها ويربت على كتفيها كما الأب يطيب‬

             ‫خاطر ابنه الأصغر ويهمس في أذنها‪:‬‬
 ‫‪ -‬سنعود بعون الله إلى بيتنا الذي وضعناه جح ًرا‬
 ‫على الآخر‪ ،‬ستشربين قهوتك برفقة جارتك حليمة‬
 ‫وتتقاسمين معها أطراف الحديث‪ ،‬سأجلب سكاكر‬
‫العيد من حانوت جارنا عمو خلو‪ ،‬سنذهب في نزهة‬
‫يوم الجمعة إلى الغابة برفقة الأحباب‪ ،‬وستغنين لنا‬
   ‫أغنية كنا نرددها فيما بيننا‪ :‬ولات جقاس خوس‬

   ‫أو رنده‪ ،‬ستنحني جميع الأشجار لنبرة صوتك‬
     ‫الشجي‪ ..‬وحلقة دبكة كوبانية ستمدد إلى آخر‬
 ‫الغابة‪ ،‬علما بأننا نحن الكوبانيين نجيد الدبكة على‬
  ‫جميع الإيقاعات‪ ..‬أجل سنعود لا نعلم متى‪ ،‬سنة‪،‬‬
‫شهر‪ ،‬أسبوع‪ ،‬شهران‪ ،‬كل ما أعلمه أننا صممنا على‬
 ‫العودة ولكن الوطن يؤجل عودتنا إلى إشعار آخر‪.‬‬
     ‫عائدون يا وطني نحن التائهين في بلاد البرد‪.‬‬
   90   91   92   93   94   95   96   97   98   99   100