Page 242 - merit
P. 242

‫العـدد ‪44‬‬                            ‫‪240‬‬

                                     ‫أغسطس ‪٢٠٢2‬‬

‫استندت هذه الاتفاقية في سطورها‬         ‫لذواتنا‪ .‬فنحن لا نستند إلى إرثنا‬             ‫تهدد بطمسها وانقراضها‪.‬‬
       ‫على مجموعة من الضوابط‬          ‫الأفقي بل إلى الآخر الذي هو إرثنا‬        ‫تشترك جميع هذه الأصناف في‬
                                       ‫العمودي‪ ،‬وهذا يعني أن الإنسان‬           ‫خاصية مهمة وأساسية‪ ،‬مفادها‬
   ‫والمعايير‪ ،‬ذلك أنها جاءت جراء‬     ‫عندما يريد أن يقف مع ذاته ويدرك‬
‫رصد العديد من الممارسات المشينة‬       ‫صورته الإنسانيَّة الذاتيَّة استجابة‬           ‫اتسام جل هذه الموروتاث‪،‬‬
                                     ‫لتساؤل الأنا والهو َّية؛ يتجلى التراث‬    ‫بالقيمة العالمية والاستثنائية التي‬
   ‫التي يتعرض لها التراث والذي‬                                               ‫ستميزها عن غيرها من المصنفات‬
   ‫يعتبر تهدي ًدا واض ًحا وملمو ًسا‬      ‫والتراث والشعبي في عمق هذه‬            ‫بفعل تفردها على كافة الأصعدة‬
 ‫له‪ ،‬ولعل من بين هذه الممارسات‪،‬‬         ‫الصورة مح ِّد ًدا أساسيًّا لصورة‬
‫العبث بالمواقع الأثرية بل وتدميرها‬     ‫الأنا والذات والهو َّية‪ .‬وهذا يعني‬               ‫وبمختلف المستويات‪.‬‬
  ‫في بعض الأحيان‪ ،‬ثم سوء تدبير‬         ‫أن التراث يحفر مجراه في العمق‬
    ‫المرافق المعنية المنوط لها وضع‬     ‫السيكولوجي للإنسان والشعوب‬            ‫تحديات «التراث العربي‬
‫أساليب تختص بالتخطيط العمراني‬                                                ‫أنموذجا» وسبل الحماية‬
‫وأنظمة المباني التراثية والعمرانية‪،‬‬             ‫والجماعات الإنسانيَّة»‪.‬‬
  ‫فض ًل عن غياب الخطط والآليات‬            ‫وعلى ضوء هذه الإرهاصات‪،‬‬                    ‫الدولية‬
   ‫وتجاهل قيمة الموروثات المادية‬            ‫جاءت رؤية اليونسكو سنة‬
    ‫والمعنوية‪ ،‬ناهيك عن جملة من‬        ‫‪1972‬م‪ ،‬والقاضية بإقرار اتفاقية‬           ‫يميز بعض الباحثين في التراث‬
                                      ‫أو معاهدة دولية تنص على حماية‬                    ‫جانبين أساسيين هما‪:‬‬
      ‫التحديات التي من شأنها أن‬         ‫التراث العالمي الإنساني‪ ،‬واتخاد‬
                                      ‫يوم الثامن عشر من أبريل «اليوم‬             ‫أ– ما وافق عصره وصلح له‪،‬‬
                                                                                         ‫وانقضى بانقضائه‪.‬‬
                                                      ‫العالمي للتراث»‪.‬‬
                                                                              ‫ب– ما وافق الإنسان واستم َّر به‬
                                                                                ‫ولمصلحته‪ ،‬وعاش حتى الوقت‬
                                                                                                    ‫الراهن‪.‬‬
                                                                                  ‫فالتراث هو الماضي الح ِّي في‬
                                                                                ‫الوجدان‪ ،‬الماضي الذي يفرض‬

                                                                            ‫وجوده في الحاضر ويباشر تأثيره‬
                                                                                ‫فيه‪ ،‬ووف ًقا لهذا التص ُّور يمكن‬
                                                                                ‫القول إ َّن تراث الأ َّمة هو مجمل‬
                                                                                ‫ما بقي حيًّا من تاريخها الما ِّدي‬
                                                                                                  ‫والمعنوي‪.‬‬
                                                                                  ‫وفي مجال التأكيد على أهميَّة‬

                                                                             ‫العناصر التراثيَّة في تكوين الهو َّية‬
                                                                                ‫الثقافيَّة في المجتمع يقول أمين‬

                                                                            ‫معلوف في كتابه (الهويات القاتلة)‪:‬‬
                                                                            ‫«كل منا مؤتمن على إرثين‪ :‬أحدهما‬

                                                                              ‫عمودي يأتيه من أسلافه وتقاليد‬
                                                                               ‫شعبه وجماعته الدينيَّة‪ ،‬والآخر‬
                                                                            ‫أفقي يأتيه من عصره ومعاصريه‪،‬‬
                                                                            ‫ويبدو لي أن هذا الأخير أكثر حس ًما‬
                                                                            ‫وأهميَّة تتصاعد يوميًّا؛ ومع ذلك لا‬
                                                                              ‫تنعكس هذه الحقيقيَّة على إدراكنا‬
   237   238   239   240   241   242   243   244   245   246   247