Page 20 - التنوير 6-8 2
P. 20

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬                     ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫الغربى لبلادنا العربية‪ .‬والسؤال الحائر هو‪ :‬كيف‬                                                          ‫مجلــــــــــــــــة‬
‫نواجه هذا التقدم الغربى؟! وكيف نستجيب لتحدياته‬
                                                              ‫ولقد استلهم الغربيون – فى بداية نهضتهم – صورة‬
                                 ‫ونتغلب عليها؟!‬               ‫التقدم كما حققها المسلمون فى العلوم والفلسفة وفى‬
                                                              ‫السياسة والاقتصاد‪ ،‬لكن هذا لم يمنعهم من أن‬
‫وقد يقول القائل هنا‪ :‬لقد استجبنا لهذه التحديات‬                ‫يكون لهم الأورجانون الخاص بهم؛ وقد تكفل بهذا‬
‫ولدينا منذ ذلك التاريخ وحتى الآن عش ارت المشاريع‬              ‫«الأورجانون» الجديد لفرنسيس بيكون الذى قدم فيه‬
‫الفكرية منذ كتابات رفاعة ارفع الطهطاوى وحتى‬                   ‫المنهج الجديد للبحث العلمى بجانبيه السلبى النقدى‬
‫الآن‪ ،‬ولهذا القائل أقول‪ :‬إن استجابة كل أصحاب‬                  ‫لصورة الفكر فى عصره من خلال كشفه للأوهام‬
‫المشاريع الفكرية الداعية إلى نهضة الأمة وإقالتها‬              ‫التى كانت تعوق النهضة العلمية المنشودة‪ ،‬والجانب‬
‫من عثرتها تلخصت وتحصنت فى ثلاث جبهات‪،‬‬                         ‫الإيجابى الذى تمثل فى وضع خطوات محددة للبحث‬
‫كل جبهة منها تقدم حلاً وتدافع عنه‪ ،‬وكأننا فى‬                  ‫العلمى تبدأ بالملاحظة وتنتهى بالوصول إلى القانون‬
‫ساحة حرب فكرية كل جهة تتمترس حول أريها‪،‬‬                       ‫العلمى المفسر للظاهرة موضوع الد ارسة‪ ،‬كما شاركه‬
‫وأخذت تطلق الانتقادات إلى الجبهتين الأخرتين؛‬                  ‫فى ذلك الاتجاه ديكارت بكتابه «مقال عن المنهج»‬
‫فأصحاب الجبهة الأولى تمترسوا حول العودة إلى‬                   ‫الذى قدم فيه المنهج الفلسفى الجديد الذى يبدأ بالشك‬
‫الت ارث معتبرين أن العودة إلى آ ارء وحياة السلف‬               ‫وينتهى باليقين‪ ،‬ولا يسلم فيه الإنسان بأية فكرة إلا‬
‫الصالح هو الحل لمواجهة هذا التقدم الغربى واعتبروا‬             ‫إذا كانت واضحة بذاتها أمام عقله الواعى وبحيث لا‬
‫أن «الإسلام هو الحل» ولكن بأية صورة وعلى أى‬                   ‫تقبل الشك فيها‪ ،‬وعبر هذه الأفكار المنهجية الجديدة‬
‫شكل؟! لقد تفرقوا شي ًعا وبقى الشعار واحًدا وهو أن‬             ‫فى مجال العلم (الأورجانون الجديد)‪ ،‬وفى مجال‬
‫الإسلام بصورته النقية الأولى هو أساس المواجهة‪،‬‬                ‫الفلسفة (المقال عن المنهج) بدأ عصًار جديًدا فى‬
‫بل هو أساس التقدم المعاصر كما كان أساس التقدم‬                 ‫أوربا والغرب لا ي ازل يتجدد ويتطور عبر إبداعات‬
‫فى الماضى‪ .‬وتناسى هؤلاء أنهم ليسوا فى فهمهم‬                   ‫العلماء والفلاسفة حتى الآن‪ .‬إن أورجانونهم لم ينضب‬
‫لصحيح الإسلام كالسلف الصالح‪ ،‬وليسوا فى درجة‬                   ‫معينه بعد؛ لأنهم يزودون منابعه بكل جديد ويطورون‬
‫علمهم ولا فى درجة ج أرتهم ولا حتى فى أدنى درجة‬                ‫مصبه مستغلين كل قطرة إبداع فيه‪ ،‬وعاقدين العزم‬
‫من درجات وعيهم!! لقد تناسوا أن الإسلام ذاته –‬                 ‫على ألا ُيقصروا فى تجديد الدماء فى ش اريينه حتى‬
‫بعيًدا عن مبادئ العقيدة – قابل للتطور وحاض عليه‬
‫فلسفًّيا وعلمًّيا واقتصادًّيا وسياسًّيا‪ .‬فأين هم من هذا‬                                         ‫الرمق الأخير‪.‬‬
‫التطور وهذه القابلية للتجديد والاجتهاد فى الإسلام‬
                                                              ‫ولعل السؤال الآن‪ :‬إذا كان هذا حالهم الذى لم‬
                                      ‫الصحيح؟!‬                ‫ولن يتوقف عن الإبداع والتطور ومداومة التحديث‬
                                                              ‫فى مغالبة وتحٍد جعل كل العالم يلهث و ارءهم! فما‬
‫أما أصحاب الجبهة الثانية‪ ،‬فقد اعتبروا أن الانسلاخ‬             ‫بالنا نحن! ألم يحن الوقت بعد لبزوغ فجر نهضة‬
‫من العصر والعودة إلى الماضى والتمسك بالت ارث‬                  ‫جديدة وحقيقية رغم أننا نحاول البحث عنها منذ أكثر‬
‫إنما هو ضرب من الجنون؛ ولذا أروا ال أرى النقيض؛‬               ‫من مائتى عام‪ ،‬فمنذ الصدام الحضارى مع الغزو‬

                                                          ‫‪20‬‬
   15   16   17   18   19   20   21   22   23   24   25