Page 21 - التنوير 6-8 2
P. 21

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬                   ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫العصر ونتفاعل مع آليات تقدمه فى الوقت الذى لا‬                                                       ‫مجلــــــــــــــــة‬
  ‫نضحى فيه بقيمنا الأصيلة وت ارثنا الديني العظيم‪.‬‬
                                                            ‫إذ وجدوا أن الحل هو فى الأخذ بكل أساليب العصر‬
‫وقد تناسي هؤلاء كذلك أن في التوفيق يكمن‬                     ‫التقدمية فى صورتها الغربية الحديثة وقطع الصلة‬
‫التلفيق الذى تظل معه الإشكالية قائمة!! فالمسألة‬             ‫تما ًما بالت ارث‪ .‬وتناسوا أن مجرد الأخذ بالأساليب‬
‫ليست خانات ثلاث‪ :‬خانة الت ارث وخانة العص ارنية‬              ‫الغربية والتشكل بمظاهرها الحضارية لن يكون أبًدا‬
‫وبضمهما نخرج بالخانة الثالثة خانة التوفيق بين‬               ‫هو طريق التقدم‪ ،‬فلكل أمة هوية لا بد من الحفاظ‬
‫الأصالة والمعاصرة؛ إذ إن هذه الدعوة قد أكدت فى‬              ‫عليها وتطويرها بقبول الآخر وصور تقدمه‪ ،‬وليس فى‬
‫الواقع على الثنائية رغم أنها دعت لتجاوزها‪ ،‬وتبنت‬            ‫الانخلاع عن الهوية الحضارية وتركها ميزة سنمتاز‬
‫دعائم الص ارع بين أن أكون ت ارثًّيا محاف ًظا على هويتى‬      ‫بها‪ ،‬بل ربما تكون عائًقا من عوائق التقدم لأن التقدم‬
‫وبين أن أكون معاصًار أعيش قيم العصر؛ ففى قيم‬                ‫لا يصنعه بضعة أف ارد تشكلوا بزى ومناهج حياة وأخذ‬
‫العصر ما يتعارض حت ًما مع قيم الت ارث‪ ،‬وفى قيم‬              ‫نواتج علوم حضارة أخرى‪ ،‬بل التقدم يصنعه الشعب‬
‫الت ارث ما يرفض الكثير من قيم العصر‪ ،‬والخلاصة‬               ‫العامل كما تصنعه الصفوة‪ ،‬فضلاً عن أن من أرى‬
‫أن الص ارع سيظل رغم الدعوة إلى التوفيق بين ثنائية‬           ‫هذا ال أرى القائل بالارتماء فى أحضان الحضارة‬
                                                            ‫الغربية وقطع العلائق بالت ارث بكل ما فيه إنما هم‬
                             ‫الأصالة والمعاصرة‪.‬‬             ‫نخبة لم تنجح فى التأثير على عموم الناس ومن ثم‬

‫إذن فى اعتقادى‪ ،‬لقد ضاعت هذه السنوات الطويلة‬                     ‫بقيت رؤيتهم حبيسة كتبهم ومشاريعهم الفكرية‪.‬‬
‫فى ص ارع فكرى بين أنصار هذه الجبهات الثلاث‬
‫دون طائل‪ ،‬وسقط مائتا عام من تاريخ الأمة الفكرى‬              ‫بينما أرت البقية الباقية من النخبة أن الص ارع بين‬
‫والحياتى نتيجة هذه الإشكالية التى أ ارها مصطنعة‬             ‫الجبهتين لن يؤدى إلى نتيجة؛ حيث إن كليهما يدعو‬
‫و ازئفة؛ إذ ما الداعى لهذه الثنائية المتطرفة للص ارع‬        ‫إلى حل غير واقعى وغير منطقى وغير عقلانى‪،‬‬
‫بين السلفيين (دعاة الت ارث) والعص ارنيين (دعاة‬              ‫ومن ثم فقد أروا أن الحل العقلانى والمنطقى لهذه‬
‫المعاصرة)‪ ،‬وما الداعى كذلك لهذا التيار الثالث الذى‬          ‫الإشكالية هو فى التوفيق بين دعاة الأصالة (الت ارث)‬
‫حاول التوفيق بينهما دون أن يدرك حقيقة جدلية‬                 ‫وبين دعاة المعاصرة (الأخذ بالثقافة والعلوم الغربية)‪،‬‬
‫الص ارع وتشبث كل جهة من جبهتيه بموقفها وعدم‬                 ‫على أن يقوم هذا التوفيق على أساس أنه لا مانع يمنع‬
                                                            ‫من أن نأخذ من الت ارث الإسلامى كل ما يحض على‬
      ‫رغبة أصحابها فى التزحزح عن هذا الموقف!‬                ‫العقل والعلم وصحيح الدين بالطبع‪ ،‬وأن نقيم المقاربة‬
                                                            ‫على أساس ذلك مع حضارة العصر التى أساسها‬
‫إن زيف هذا الص ارع الناتج عن هذه الإشكالية‬                  ‫أي ًضا العقل والعلم‪ .‬فلنأخذ إذن من ت ارثنا الدينى ما‬
‫يبدو حينما يسأل كل منا نفسه أًّيا كانت الجبهة التى‬          ‫يتوافق مع قيم العصر‪ ،‬ولنأخذ من قيم العصر ما لا‬
‫يتمترس فيها‪ :‬ألست من مواطنى هذا القرن وأعيش‬                 ‫يتعارض مع هويتنا الدينية والحضارية‪ .‬وتصوروا أن‬
‫زمانه وأستخدم كل أدواته وآلياته أًّيا كان مصدرها‪،‬‬           ‫فى هذه الثنائية (ثنائية الأصالة والمعاصرة ‪ -‬الت ارث‬
‫ثم ألست أنا ابنا لت ارث عربى ‪ -‬إسلامى مختلف‬                 ‫والتجديد) الحل الأمثل‪ ،‬إذ لا مانع يمنع من أن نعيش‬

                                                        ‫‪21‬‬
   16   17   18   19   20   21   22   23   24   25   26