Page 29 - التنوير 6-8 2
P. 29

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬                     ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

      ‫ثالًثا‪ :‬دوجلاس كيللنر والبحث النقدي‪:‬‬                                                            ‫مجلــــــــــــــــة‬

‫عالم اجتماع أمريكي وواحد من رواد الجيل الثالث‬                 ‫البرنامج‪ ،‬وهو دور يصدم مشاهد التلفزيون دوًما؛‬
‫لمدرسة فرنكفورت‪ ،‬ما ي ازل على قيد الحياة‪ ،‬له إسهامات‬          ‫حيث يقوم المقدم بتدخلات حاسمة يفرض من خلالها‬
‫متعددة في مجالات التعليم والتكنولوجيا وتأثيرها على‬            ‫الموضوع والإشكالية؛ وبالتالي يفرض قواعد اللعبة‪،‬‬
‫الديموق ارطية وقضايا الإعلام‪ ،‬والممارسات الإعلامية‬            ‫وهي قواعد ذات أشكال متعددة ومتغيرة‪ ،‬وهو بذلك‬
‫والق ار ارت السياسية والتعامل مع قضايا حيوية؛ مثل‬             ‫ينطلق من رؤية للمعلومات قد تصل إلى حد التغيب‬
‫الإرهاب‪ .‬ولقد أجرى كيللنر العديد من الد ارسات‬                 ‫والاستبعاد‪ .‬وقد تسببت صحافة الإثارة هذه في ت ازيد‬
‫التي تقيس الأداء الإعلامي في الأحداث المحورية؛‬                ‫القنوات التلفزيونية المنافسة التي تلهث و ارء ما هو‬
‫خاصة في أوقات الأزمات والحروب‪ ،‬وربطها‬                         ‫مثير ويجذب المشاهد وخارق للعادة؛ بحيث يقدم‬
‫بالتحليل الاجتماعي والسياسي‪ ،‬واهتم بالتكنولوجيا‬               ‫الإعلاميون مجموعة من الإيعا ازت الثقافية والأخلاقية‬
‫الحديثة وأثرها في مجال الإعلام الجديد‪ ،‬وكان يرى‬               ‫وتمريرها بطريقة سلسة تفرض نفسها على عامة‬
‫إن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الجديدة ثورية‬               ‫الناس دون د ارية منهم‪ .‬وتسمح قوة التأثير الإعلامي‬
‫وتشكل تحولاً جذ ّرًيا في الحياة اليومية في اتجاه المزيد‬       ‫للتلفزيون لبعض المذيعين أن يقدموا أنفسهم بوصفهم‬
‫من المشاركة والديموق ارطية‪ ،‬ومع ذلك يجب الاعت ارف‬             ‫متحدثين باسم الجمهور‪ ،‬ومخاطبة الطرف الآخر‬
‫بأن الأمر قد يساعد في نشر المجتمع ال أرسمالي‬                  ‫بنوع من الاستخفاف‪ ،‬بالإضافة إلى إحكامه السيطرة‬
‫الاستهلاكي‪ ،‬ونمو الفردية والمنافسة‪ ،‬وما له صله‬                ‫على مصدر المعلومة؛ مما يجعلهم يمتلكون احتكار‬
‫بالاغت ارب(‪ .)27‬وعلى مستوى الممارسة الإعلامية‪،‬‬                ‫الحديث المفروض على أدوات إنتاج المعلومات واسعة‬
‫نقد كيللنر ما وصفه بالأداء الكارثي والخطير لوسائل‬             ‫الانتشار وتوزيعها‪ ،‬طالما يحتكرون إمكانات الوصول‬
‫الإعلام خلال تغطيتها لهجمات ‪ 11‬سبتمبر‪ ،‬واعتبرها‬               ‫إلى المواطنين البسطاء؛ فهم يحتكرون إمكانية إدخال‬
‫قدمت هستيريا حربية‪ ،‬وفشلت في تقديم سرد متماسك‬                 ‫منتجين آخرين للثقافة من كتاب وفنانين وعلماء إلى‬
‫والإجابة على التساؤلات الرئيسة لما حدث‪ ،‬ولماذا‬
‫حدث؟ وما يمكن اعتباره ردوًدا مسئولة على الهجمات‬                                             ‫المجال العام(‪.)25‬‬

                                  ‫الإرهابية(‪.)28‬‬              ‫إن الصحفي يمارس إسقاطات لشخصيته وثقافته؛‬
                                                              ‫خاصة الثقافة التي يريد تمريرها‪ ،‬على طبقة مهمة من‬
‫وكان كيللنر يتبع في تحليله لعمل وسائل الإعلام‬                 ‫المجتمع‪ ،‬ويمارس عليهم رقابة حتى دون أن يعلموا‬
‫منه ًجا متعدد الرؤى والمنظو ارت‪ ،‬ويجمع بين الاقتصاد‬           ‫بها‪ ،‬وهذا التأثير غير الشعوري على المشاهدين‪،‬‬
‫السياسي والتحليل الثقافي‪ ،‬وقد طبق هذا المنظور‬                 ‫يمثل نو ًعا من العنف الرمزي؛ من خلال القيام بمهام‬
‫في فهمه لوسائل الإعلام والعولمة(‪ ،)29‬ويدعو‬                    ‫ثقافية أيديولوجية بواسطة الصورة والكلمة‪ ،‬وتشكل‬
‫إلى استخدام مجموعة واسعة من المداخل النظرية‬                   ‫وسائل الإعلام ما يسمى بثقافة الصورة‪ ،‬التي تربط‬
‫والمنهجية لد ارسة وسائل الإعلام والثقافة والمجتمع؛‬            ‫بين المعنى ومفهومها على مستوى الضبط والتحكم‬
‫لأنه لم يكن يعتقد في أن نظرية أو طريقة واحدة‬
                                                                                          ‫والعنف الرمزي(‪.)26‬‬
                                                          ‫‪29‬‬
   24   25   26   27   28   29   30   31   32   33   34