Page 292 - m
P. 292

‫العـدد ‪59‬‬                      ‫‪290‬‬

                                   ‫نوفمبر ‪٢٠٢3‬‬

 ‫أي هم‪ ،‬هؤلاء واهمون‪ ،‬يعيشون‬                   ‫محسن الغمري‬               ‫والحرملك وفي حدود مصر‬
  ‫في أكذوبة صنعوها في خيالهم‪،‬‬                                          ‫التاريخية‪ ،‬وهو والي النعم في‬
                                   ‫صورة مشوبة بالمؤامرات والفتن‬      ‫البناء‪ ،‬وهو الحاج في المناسبات‬
‫وهم أبعد ما يكونون عن الحقيقة‪،‬‬       ‫والحقد والضغينة والاستعداد‬    ‫الدينية‪ ،‬وهو عزيز مصر ومليكها‬
‫فوراء تلك الجدران العالية حروب‬          ‫للقتل بسبب شهوة السلطة‬
                                    ‫والميراث‪ ،‬ومن أبرز الاقتباسات‬               ‫في اعتبارات أخرى‪.‬‬
    ‫ودسائس‪ ،‬ونمائم واغتيالات‪،‬‬                                           ‫وهو قادر على القيام بأعمال‬
       ‫وسجون قسرية‪ ،‬وأخرى‬          ‫التي تبين ذلك ما ورد على لسان‬   ‫كثيرة متزامنة تحفظ لمصر هيبتها‬
                                       ‫صفاء الدين القولي وزوجته‪:‬‬    ‫وقوتها؛ يستخدم القوة في إخماد‬
    ‫اختيارية‪ ،‬والقصور لمن يحيا‬            ‫يقول صفاء الدين القولي‪:‬‬        ‫ثورات المماليك والأرنؤوط‪،‬‬
 ‫فيها على رحابتها جحور ضيقة‪،‬‬                                          ‫ويحرك حملات عسكرية نحو‬
                                   ‫يحسب الناس أن القصور قطعة‬             ‫الحجاز والسودان والشام‪،‬‬
   ‫قد تكون خانقة برغم حدائقها‬         ‫من الجنة‪ ،‬ومن فيها يعيشون‬      ‫ويتقن إدارة التحالفات ويحافظ‬
   ‫المترامية‪ ،‬وعيونها الجارية‪ ،‬في‬    ‫مدللين هانئين لا يحملون للغد‬   ‫على التوازنات في علاقاته؛ فيتقن‬
    ‫القصور ينقلب فراش الحرير‬                                             ‫سياسة الانفتاح على الغرب‬
 ‫إلى شوك‪ ،‬وشهد الطعام إلى سم‬                                       ‫ويرسل البعثات العلمية‪ ،‬ويواكب‬
  ‫ناقع‪ ،‬القصر قفص رائع الهيئة‬                                           ‫التطورات العصرية‪ ،‬ويلتقي‬
                                                                         ‫القناصل والسفراء‪ ،‬ويفتتح‬
     ‫لعصفور بهي الطلة ص‪.75‬‬                                          ‫المساجد والترع ويراسل الدول‪.‬‬
    ‫وورد على لسان زوجة صفاء‬                                             ‫وتعد شخصية عباس حلمي‬
  ‫الدين القولي‪ :‬كنت أظن أن بذخ‬                                       ‫(حفيد محمد علي من ابنه أحمد‬
 ‫الحياة ورغد العيش في الحرملك‬                                      ‫طوسون) امتدا ًدا لشخصية محمد‬
 ‫سيجعل من الأيام حل ًما جمي ًل‪..‬‬                                    ‫علي الجد‪ ،‬وإن ظهرا مختلفين في‬
‫ولم أتخيل للحظة أن لرتابتها ثق ًل‬                                  ‫سياستيهما على مستوى العلاقات‬
   ‫يجثم على الصدور‪ ،‬وه ًّما يثقل‬                                    ‫مع الداخل والخارج؛ وقد حرص‬
 ‫القلوب‪ ،‬ناهيك لعنصرية لقائمين‬                                           ‫الكاتب أن يقيم مقارنة بين‬
   ‫عليه‪ ،‬وتصنيفهم لساكنية تب ًعا‬                                     ‫الشخصيتين؛ وأن يقف بطريقة‬
    ‫للون بشرتهم‪ ،‬حياة الحرملك‬                                           ‫أو بأخرى على الأسباب التي‬
    ‫عذاب في النهار أرق في الليل‪،‬‬                                      ‫تمنح الدول قوتها وديمومتها‪،‬‬
     ‫ومن كتبت عليه الحياة هناك‬                                     ‫والأسباب التي تؤدي إلى تفسخها‬
  ‫يعيشها مسي ًرا لا مخي ًرا‪ ،‬تنزع‬                                    ‫وانهيارها وتراجعها‪ ،‬وأشار إلى‬
    ‫من صدره إرادته قبل الولوج‬                                           ‫أطماع الأسرة الحاكمة‪ ،‬التي‬
                                                                    ‫كانت أحد الأسباب الأساسية في‬
                  ‫إليه‪ .‬ص‪.189‬‬                                         ‫تراجع الحلم وانحساره‪ ،‬ولعل‬
‫وهكذا‪ ،‬فبقدر ما حاول الكاتب أن‬                                        ‫ذلك يمكن أن يقودنا إلى قضية‬
                                                                    ‫تحسب للكاتب‪ ،‬حيث خصص في‬
   ‫يرسم صورة مشرقة خارجية‬                                             ‫روايته مساحة‪ ،‬وقف فيها على‬
‫لسياسات محمد علي وحفيده على‬                                         ‫الحياة الداخلية للأسرة الحاكمة‪،‬‬
                                                                         ‫وسلط الضوء على العلاقات‬
  ‫امتداد خمسة عقود‪ ،‬نجده يرى‬                                       ‫داخل السلاملك والحرملك‪ ،‬وقدم‬
    ‫أن انهيار الحكم بدأ من داخل‬
  ‫الأسرة الحاكمة‪ ،‬وكأنه أراد أن‬

‫يقول‪ :‬إن الدول تنهار من داخلها‪،‬‬
     ‫وإن على الأنظمة الحاكمة أن‬

‫تحافظ على توازناتها الداخلية كي‬
         ‫تحفظ قوتها وديمومتها‬
   287   288   289   290   291   292   293   294