Page 288 - m
P. 288

‫منة أبو زهرة‬   ‫العـدد ‪59‬‬                               ‫‪286‬‬

                                                 ‫نوفمبر ‪٢٠٢3‬‬

      ‫المنتصف‪ ،‬ورماد‪ ،‬وصرخة‬          ‫خطوا خطوة قدر اللحظات التي‬                               ‫الطرفين‪ .‬لأنه ‪-‬بنسبة كبيرة‪،‬‬
‫أخيرة‪ ،‬وجمال مهدر) ثقل الحياة‬       ‫يملكونها‪ ،‬فيتحركون بظلها كزاد‬                           ‫كما في قصيدة سباقات الوهم‪-‬‬
                                                                                          ‫يكشف صراع التأثير المتبادل بين‬
    ‫في أعينهم‪ ،‬وشعورهم بالمرار‬                            ‫للطريق‪.‬‬                         ‫المكان وساكنيه وهم الانتصارات‬
  ‫من دروبهم المسدودة‪ ،‬وآمالهم‬       ‫“أُري ُد أن أُ َح ِّد َث َك عن أدرا ٍج َتت َق َيّ ُأ‬   ‫المتحققة‪ .‬فلا نجد الناس تنصاع‬
   ‫المبتورة‪ ،‬وقلوبهم التي صارت‬                                                              ‫تما ًما لحركة المدينة مهما تفتتت‬
   ‫فيها اللحظات خاوية من متعة‬                            ‫الذكريات!‬                         ‫هوياتهم الأصلية‪ ،‬بل يبقى جزء‬
                                                ‫وعن حياتي الثقيل ِة‬                         ‫منهم راس ًخا يترددون عليه كل‬
    ‫حقيقية لتكومها فوق بعضها‬         ‫التي َس َت ِخ ُّف كثي ًرا‪ ..‬في ُوجو ِدك‬                 ‫مرة‪ .‬ولا تتحول المدينة بتأثير‬
    ‫خشية ضياعها‪ .‬يغرس فيهم‬           ‫َتعا َل‪ ..‬أُري ُد أن أُ َح ِّد َث َك عن َقلبي‬          ‫أهلها بدرجة كبيرة‪ ،‬بل يظل لها‬
  ‫كل ذلك شعور الهزيمة‪ ،‬والذي‬              ‫َقلبي‪ ..‬ذلك ال ُّدر ُج المُن َت ِفخ”‬            ‫هيبة وسطوة تظلل نفوسهم حين‬
‫يغلفهم بدوره بمبدأ انعدام المعنى‪،‬‬        ‫(من قصيدة أدراج منتفخة‬
 ‫واعتبار أنفسهم في رحلة دائمة‪،‬‬                                                               ‫يذكرونها‪ .‬نفهم في النهاية أنه‬
  ‫بلا نقطة وصول‪ .‬ويودون أمام‬                             ‫بالحنين)‬                          ‫صراع قائم على سلسة تحولات‬
      ‫ما تبصروا به أن يصرخوا‬             ‫ومن ناحية أخرى ننتقل في‬                          ‫بين الطرفين‪ ،‬في كل تحول ‪-‬مهما‬
     ‫صرخة أخيرة تشفي غليلهم‬        ‫قصائد (جسدان‪ ،‬وحدائق للموت‪،‬‬                              ‫مثَّل من انتصار ضمني‪ -‬يمثل‬
‫وتعبر عن احتجاجهم‪ ،‬إضافة إلى‬       ‫ويشبه القاهرة‪ ،‬وتمارين الخيبة)‬                         ‫هزيمة لكليهما‪ .‬فلا يعود المنتصر‬
   ‫رغبتهم بأن تكون ملجأً للنجاة‬        ‫إلى وصف المدينة‪ ،‬بازدحامها‬
     ‫من هذا العبث أو حتى منف ًذا‬          ‫وازعاجها‪ .‬بوجود المعاني‬                                             ‫ولا المهزوم‬
 ‫للهرب‪ .‬لكن لا تمنحها لهم الدنيا‬     ‫والمسميات فيها في صراع دائم‪،‬‬                            ‫كما هو عليه من قوة وتصميم‬
                                       ‫تحتاج فيه إلى التكرار بصور‬                            ‫أو ثارات ورد شرف‪ ،‬ليستمر‬
                       ‫ببساطة‪.‬‬       ‫مختلفة‪ .‬وبوجود تداخل مرهق‬                               ‫الصراع بلا نقطة نهاية‪ .‬وبهذا‬
                                      ‫لنفوس شتَّى‪ .‬تصطبغ بفضله‬                                ‫التساوي في الهزيمة تتساوى‬
                                   ‫المدينة باللون الرمادي‪ ،‬أي تصبح‬
                                     ‫حمالة أوجه‪ ،‬لا تستطيع منه أن‬                               ‫مقدار المشاعر أي ًضا‪ ،‬فنفهم‬
                                   ‫ترى هؤلاء المساكين كما هم عليه‪.‬‬                             ‫تحالف كل شيء مع أو ضد‬
                                   ‫بل تراهم أوعية فارغة تضع فيها‬                            ‫في آن واحد كما في قصيدة (في‬
                                        ‫الدنيا مزيجها الشبيه بدخان‬
                                    ‫المصانع القادر على تسميم معنى‬                                                  ‫الليل)‪.‬‬

                                                           ‫الحياة‪.‬‬                          ‫قابل للكسر «رحلة في‬
                                                ‫“الآن أعا ِت ُب َن ْفسي‬                       ‫نفوس المساكين”‬

                                                     ‫ولا أش ُعر بها‬                        ‫تبدأ الشاعرة من قصائد (جذوع‬
                                                ‫لأنني ُكن ُت ُمنشغل ًة‬                       ‫وجرافات‪ ،‬وفي مديح التجاوز‪،‬‬
                                             ‫بالاحتفاظ بها في َعقلي‬                            ‫وكيف‪ -‬كم‪ ،‬وأدراج منتفخة‬
                                      ‫َخو ًفا من أنها س َتنتهي قريبًا”‬
                                          ‫(من قصيدة جمال مهدر)‬                            ‫بالحنين‪ ،‬وقلوب عرجاء) بوصف‬
                                       ‫يشكل ذلك المزيج‪ ،‬أول خطوة‬                               ‫شامل لأولئك المساكين‪ .‬من‬
                                       ‫لمسيرة آلامهم‪ .‬فنرى بقصائد‬
                                       ‫(مداراة‪ ،‬وسلالة الألم‪ ،‬ولعنة‬                        ‫يتخذون قلوبهم الغضة المنتفخة‬
                                                                                                ‫بحلو حياتهم ومره‪ ،‬وقو ًدا‬

                                                                                            ‫يدفعهم لآمالهم‪ ،‬ومنارة ترسم‬
                                                                                              ‫درو ًبا جديدة متفردة لا تسع‬
                                                                                                ‫سواهم‪ .‬من يكتشفون كلما‬
   283   284   285   286   287   288   289   290   291   292   293