Page 287 - m
P. 287
285 ثقافات وفنون
كتب
المشتتة .التي لا تستطيع التكيف أنسي الحاج بكونه «عمل شاعر لذلك .حيث تعكس لنا صورة
مع مجريات واقعها ،ولا تستطيع ملعون» من خلال بنيته وطريقة مبسطة ،تلخص فيها مزيج
الهرب منه .بل تظل معلقة في تعبيره بالوجدان ،إذ إنه يخل المجتمع والمدينة من خلال لغة
حلقة مغلقة من المعاناة بين ملامح بمفهوم القصيدة باعتبارها لغة خاصة ملائمة لزمنها ،تعبر عن
موسيقية كما و َّضح الشاعر أحمد نظرة الإنسان الواقع عليه التأثير.
الواقع وبين بقايا فطرتها. عبد المعطي حجازي موقفه عن
تتجلى أمامنا الخيوط الأولى قصيدة النثر ،وأيضا -كما أشار- والتي بفضل فتح تلك النظرة
لتفاصيل تلك المعاناة ،بداية من يجعلها ناقصة المتعة لأنها خاطفة للمشاعر والمسلمات الخاصة
العنوان «يشبه القاهرة” وبعض الوقع في نفس القارئ لتوغلها بالذات ،تعطينا الصورة تفسي ًرا
القصائد الأولى (أنا حرف الواو، منطقيًّا لموقف الإنسان تجاه ما
وسرقوا مني بيتهوفين ،هذه في وصف النفس والأشياء يحيط به من قضايا ومسميات
ليلتي ،حدائق الموت) .نستطيع من منظور الذات ،على حساب
منها تمييز مدى قوة الطرفين. عدة .وعليه فإن التطورات
فنرى طبيعة النفس الأولى فنيات القصيدة من القوافي والمتغيرات المستمرة تجاه الواقع
الصافية المنطلقة -التي على والوزن .والاستعاضة عنها
الأغلب لم تكتسب من دنياها باستخدام أدوات النثر من السرد ومنها صورة المدينة وشكل
صفة -مثلما نرى أثر البيئة والاستطراد بالوصف ،ودمجها الإنسان ،ومن ثم طبيعة العلاقة
المرهق والخانق .وبذلك نستطيع في القصيدة بتنظيم هندسي قوي
توقع مدى تأثير كل منهما على بينهما ،تظهر الحاجة الملحة
الآخر .لكن بتتابع القصائد إلى من الشاعر. للتجديد في شكل اللغة التي تعبر
نهاية آخر قصيدة (هزيمة جديدة وبهذا الصدد ينقل إلينا ديوان عنها النفس ،ومنها تظهر ألوان
للبحر) نجد أمامنا صورة غاية “يشبه القاهرة” للشاعرة منة أبو
في التعقيد ،تظهر فيها تلك الفطرة زهرة ،الصادر عن دار الرواق أدبية جديدة ،أو أشكال جديدة
الصافية كحائط زجاجي مشغول للنشر ،المثال الأقرب أمامي في للون الأدبي الواحد ،تعكس نظرة
لنافذة ،تعكس من ورائها تلك المجتمع في الثورة على القديم من
البيئة وأثرها ،تبهر شخ ًصا ينظر وجود قصيدة النثر كاتجاه
لها عن بعد ،ويرى فيها نموذ ًجا ينقل المعارك النفسية كما هي المفاهيم واستبعادها ،بالثورة
مصغ ًرا لمدينته أو مدينة أخرى، -مستعينًا من السرد صفته والاستغناء عن أدوات فنية تصل
لكن عينيه تنطقان بأنها دهشة التقريرية -في اختصار شرح لأن تمثل أسا ًسا في وجود اللون
ناقصة ،فمن ناحية الزجاج أو وصف طبيعة بعض النفوس
المشغول محا بعض تفاصيل الأدبي كالشعر مث ًل.
مدينته ،ومن ناحية أخرى طغت وف ًقا لذلك ،والدال عليه ما أشار
تفاصيل أخرى على رسوم به الشاعر اللبناني بول شاؤول
الزجاج ،فصار أمامه شيئ هجين، بأن الوزن الشعري أصبح أداة
يشبه مدينته ،لكنه ليس مماث ًل لغوية قد استنفذت قيمتها بعدم
معاصرتها للوقت الحاضر .نشأت
لها! «قصيدة النثر» كاتجاه حداثي،
ومن تلك الصورة ،نكتشف دلالة تنقل -كما وصفه الشاعر الراحل
واضحة لحركة وطبيعة الصراع.
أنسي الحاج -دفعة فوضوية
تتفق مع قصيدة (هزائمنا هدامة تمثل -بالنسبة لأصحاب
العظيمة) بحال اختفاء الغلبة بين
ذلك الاتجاه -انتفاضة فنية
ووجدانية من الذات ،بمحاولة
مواكبة أزمات الإنسان المعاصرة
وقضاياه المريرة ،من خلال
التحرر من الاعتماد على إرث
الماضي بالتعبير .وبالتالي يصفه