Page 285 - m
P. 285

‫‪283‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫كتب‬

‫والأقاويل والهواجس‪ ،‬واختار أن‬                                ‫اللغة‪:‬‬       ‫تتبادل الفصول الأزمنة‪ ،‬فجعل‬
‫يكون الحوار بالعامية السيناوية؛‬            ‫تعد اللغة الأداة التي يحيط‬        ‫فص ًل يتحدث فيه يحيى عن‬
‫حيث خلق حالة من الخصوصية‪،‬‬                ‫بها الكاتب المعنى‪ ،‬يصف بها‬
                                         ‫الشخصيات والأماكن‪ ،‬وهذه‬          ‫الزمن الحاضر (بحثه عن عيد)‪،‬‬
   ‫وقد أجاد في استخدامها بما لا‬          ‫الرواية اتخذت طاب ًعا خا ًّصا‬    ‫وفص ًل يقرأ فيه يحيى ما حكته‬
  ‫يوقع القارئ في عدم فهم‪ ،‬ومن‬              ‫في استخدام اللغة على عدة‬
‫دون خلق حواجز بين القارئ من‬         ‫مستويات‪ ،‬اختار الكاتب بالأساس‬           ‫الجدة لعيد ودونه في أوراقه‪،‬‬
                                         ‫أن يختفي تما ًما من المشهد‪،‬‬      ‫وهذه التقنية ساعدت على كسر‬
    ‫أي لهجة وبين لهجة الحوار‪.‬‬           ‫ويترك لشخصياته الحرية في‬         ‫الملل والرتابة‪ ،‬وعدم الاسترسال‬
 ‫وإمعا ًنا في الخصوصية استخدم‬                                             ‫في خط زمني على حساب الخط‬
‫الكاتب مصطلحات خاصة بالبيئة‬                      ‫التعبير عن ذواتهم‪.‬‬
‫البدوية‪ ،‬ورغم غرابة تلك الكلمات‪،‬‬      ‫فالرواية مونولوجية بالأساس‪،‬‬                                ‫الآخر‪.‬‬
                                      ‫رواتها جمي ًعا مشاركون‪ ،‬يحيى‬         ‫كان الانتقال بين الزمنين يأتي‬
    ‫إلا أن السياق يوضح معناها‪،‬‬        ‫البطل يحكي معاناته وقصته في‬           ‫سل ًسا غير مفتعل‪ ،‬فنهاية كل‬
 ‫بما لا يح ِّمل القارئ عبء البحث‬       ‫البحث عن أخيه عيد‪ ،‬وتحضر‬         ‫فصل تسلم للفصل الآخر الخاص‬
   ‫عن معنى تلك الكلمات‪ ،‬غير أن‬
                                        ‫الجدة غالية بصوتها تطل من‬            ‫بالزمن الثاني‪ ،‬تهيئة للقارئ‬
    ‫استخدامها أدخل القارئ لتلك‬        ‫أوراق عيد التي كان يدون فيها‬       ‫من دون مفاجأة أو لبس‪ .‬الزمن‬
 ‫البيئة معاي ًشا لها بشكل حميمي‬       ‫حكاياتها على لسانها كما حكتها‬
                                     ‫له كما قال ص‪« :44‬على أية حال‬           ‫الماضي الذي قدمه الكاتب في‬
                           ‫ج ًّدا‪.‬‬  ‫أنا أروي ما تقوله لي كما هو دون‬          ‫حكايات الجدة يمثل التاريخ‬
     ‫في النهاية‪ ،‬تلك الرواية تقدم‬                                        ‫الذي لم يأت وثائقيًّا أو تسجيليًّا؛‬
    ‫صورة لسيناء من زاوية غير‬                     ‫إضافات أو حذف»‪.‬‬           ‫بل جاء متضاف ًرا مع حياة أهل‬
 ‫معتادة‪ ،‬زاوية الإنساني بالدرجة‬        ‫واستخدام لغة الخطاب المنقول‬          ‫سيناء‪ ،‬عبارة عن إشارات إذا‬
     ‫الأولى‪ ،‬لأنها من منظور أهل‬                                            ‫جمعناها وجدنا أننا أمام حقبة‬
     ‫سيناء الذين تمتزج دماؤهم‬            ‫عن لسان الشخصيات جعل‬              ‫تاريخية‪ ،‬نشاهد بها المهمشين‬
     ‫بتراب هذه الأرض‪ ،‬ويسري‬            ‫هناك حميمية بين الشخصيات‬            ‫الذين لا تذكرهم كتب التاريخ‪،‬‬
‫المكان بأرواحهم‪ ،‬ينطقون بلسانه‪،‬‬        ‫والقارئ‪ ،‬حيث لم يقف الكاتب‬       ‫فعندما تحدث عن العدوان الثلاثي‬
  ‫هذه الرواية بعيدة كل البعد عن‬                                         ‫أو النكسة أو العبور‪ ،‬لم نر جنو ًدا‬
    ‫الرصد الإخباري والحسابات‬              ‫بيننا وبين شخصياته أب ًدا‪،‬‬       ‫ودبابات‪ ،‬وأسلحة‪ ،‬ولكن رأينا‬
    ‫السياسية والتوثيق التاريخي‬         ‫ترك القارئ ليشارك في الحدث‬            ‫شعبًا يعاني ويلات الحرب‪،‬‬
 ‫لأحداث كبرى‪ ،‬بل أحداث يومية‬          ‫مستم ًعا جي ًدا لحال الشخصيات‬      ‫وعندما تحدث عن المدن الجديدة‬
  ‫تمتزج بالحوادث الكبرى‪ ،‬كيف‬          ‫متخي ًل الأحداث‪ ،‬ومتلقيًا لأفكار‬   ‫التي بناها عبد الناصر وأراضي‬
   ‫عاشها أهل هذه الأرض وكيف‬          ‫الشخصيات بشكل مباشر وكأنه‬            ‫الاستصلاح الزراعي‪ ،‬كنا نراها‬
                                                                        ‫بعيون المهجرين قس ًرا إليها‪ .‬حتى‬
                        ‫رأوها؟‬                    ‫طرف في الأحداث‪.‬‬          ‫حديث عن الجماعات الإرهابية‬
                                    ‫استخدم الكاتب كذلك لغة الحوار‪،‬‬       ‫رأينا أثرها على أهل سيناء لا على‬

                                        ‫أو الرؤية المصاحبة‪ ،‬ينقل بها‬                           ‫الجيش‪.‬‬
                                          ‫الحوارات بين الشخصيات‬
   280   281   282   283   284   285   286   287   288   289   290