Page 284 - m
P. 284

‫السيناوية كما قال يحيى ص‪.20‬‬                                  ‫العـدد ‪59‬‬                           ‫‪282‬‬
                        ‫الزمن‪:‬‬
                                                                            ‫نوفمبر ‪٢٠٢3‬‬   ‫الأرض‪ ،‬أدركني سلمان‪ ،‬وفقدت‬
       ‫اعتمد الكاتب زمنين يكمل‬                                                             ‫الوعي بعدها‪ ..‬حين كنت أفيق‪،‬‬
   ‫أحدهما الآخر‪ ،‬سارا على مدار‬        ‫مديرية التحرير‪ ،‬قرية العزيمة‪،‬‬                       ‫أعود وأتذكر ما حدث‪ ،‬أشعر أن‬
   ‫الرواية بالتبادل‪ ،‬أحدهما يمثل‬     ‫الإسماعيلية) ليبسط أحداثه على‬                       ‫النار تلتهمني‪ ،‬أحاول القيام‪ ،‬لكن‬
    ‫قصة حياة الجدة (غالية) منذ‬      ‫مساحة واسعة بيا ًنا للمعاناة التي‬                      ‫جسدي لا يطاوعني‪ ،‬أغيب مرة‬
‫نشأتها في سيناء مرو ًرا بالأحداث‬      ‫عاشها الأهالي هناك في عمليات‬
   ‫الجسيمة التي مرت بها‪ ،‬وكان‬        ‫التهجير المستمرة بسبب الغارات‬                             ‫أخرى عن الدنيا» ص‪.189‬‬
 ‫يمثلها أوراق عيد التي كتبها عن‬       ‫والحروب والهجمات على أرض‬                                     ‫‪ -4‬العادات والتقاليد‪:‬‬
 ‫قصة جدته‪ ،‬والآخر يمثل الزمن‬
   ‫الحاضر؛ بحث يحيى عن أخيه‬                                 ‫سيناء‪.‬‬                           ‫تنتصر الرواية للإنسان بكل‬
                                      ‫كان الكاتب يدخل بنا إلى المكان‬                         ‫جوانب شخصيته‪ ،‬لذلك كان‬
     ‫عيد وما شابه من ملابسات‬           ‫بشخصياته‪ ،‬ويصفه بعيونهم‪،‬‬                               ‫الكاتب حري ًصا على أن ينقل‬
  ‫وأحداث‪ ،‬كانت تفاصيل القصة‬         ‫لم يكن المكان تلك المساحات التي‬                        ‫لنا صورة هذا الإنسان بكل ما‬
    ‫الأولى تكمل الصورة دائ ًما في‬      ‫تتحرك فيها الشخصيات جيئة‬                              ‫يحمله من عادات وتقاليد لها‬
  ‫ذهن يحيى‪ ،‬وتفسر له أشياء لم‬         ‫وذها ًبا‪ ،‬بل إن المكان محفور في‬                         ‫طابعها الخاص بخصوصية‬
  ‫يكن يفهمها في حاضره‪ ،‬أحيا ًنا‬      ‫وجدانهم‪ ،‬ينطقون بلسانه‪ ،‬يطبع‬                        ‫المكان والتاريخ‪ ،‬لذلك نثر في ثنايا‬
                                                                                             ‫الرواية مجموعة من العادات‬
    ‫يلتقي الزمنان‪ ،‬حينما تتشابه‬         ‫عليهم من صفاته‪ ،‬فالصحراء‬                          ‫البدوية‪ ،‬كعادات الزواج‪ ،‬فالبنت‬
     ‫الظروف‪ ،‬فتستدعي حكايات‬           ‫المترامية الأطراف حياة واسعة‬                         ‫تتزوج من ابن عمها‪ ،‬لا تتزوج‬
  ‫الماضي آلام الحاضر وأوجاعه‪،‬‬          ‫لأهلها‪ ،‬يقول الكاتب على لسان‬                          ‫غريبًا‪ ،‬ومراسم الزواج كيف‬
   ‫مثلما وجدنا التقابل دائ ًما بين‬     ‫العم عودة‪« :‬الصحرا يا يحيى‬                        ‫تسير‪ ،‬الخبيز والذبائح‪ ،‬وجلسات‬
 ‫حالة الجدة غالية وحبها الذي لم‬       ‫بتعطي أهلها من طبايعها‪ ،‬يعني‬                       ‫العرب لفض النزاعات‪ ،‬متمث ًل في‬
‫يكتمل مع راشد‪ ،‬وقصة ليلى حب‬          ‫إنت هنا في الصحرا تقدر تعرف‬                            ‫قصة الجد سويلم زوج حمدة‬
‫يحيى الذي لم يكتمل أي ًضا‪ .‬وكأن‬      ‫كل شيء في الكون كيف يسير‪..‬‬                          ‫ص‪ ،160‬كيف يأكلون ويشربون‪،‬‬
  ‫تاريخ الأسرة يعاد مرة أخرى‪،‬‬           ‫وجدودنا زمان كانوا بيمشوا‬                        ‫القهوة التي تشكل جز ًءا من حياة‬
 ‫من خلال تشابه مصير أفرادها‪،‬‬        ‫بالأيام على النجوم‪ ،‬وما بيتوهوا»‬                     ‫البدوي‪ ،‬النار المشتعلة دائ ًما أمام‬
‫ففي حكاية غالية عن مقتل والدها‬                                                            ‫الخيام‪ ،‬كيف يكرمون ضيوفهم‪،‬‬
   ‫وأخيها‪ ،‬أخبروها أن الصهاينة‬                              ‫ص‪.64‬‬
     ‫جاؤوا بهم لي ًل فألقوهم على‬       ‫يصف الخيام‪ ،‬النخلات‪ ،‬البحر‬                                       ‫وسائل ترحالهم‪.‬‬
 ‫أطراف الديرة بين الحياة والموت‬                                                                            ‫ثان ًيا‪ :‬المكان‪:‬‬
  ‫حتى لفظوا أنفاسهم‪ ،‬تما ًما كما‬         ‫الذي يقف على مشارف تلك‬
‫حدث مع عيد حينما جاءت سيارة‬            ‫الصحراء‪ ،‬وارتباط أهل سيناء‬                        ‫المكان هنا بطل من أبطال الرواية‪،‬‬
‫مسرعة فألقت به بالقرب من بيت‬                                                              ‫سيناء‪ ،‬لكن الكاتب كان حري ًصا‬
‫أهله ميتًا‪ ،‬والكثير الكثير من نقاط‬       ‫به‪ ،‬فهم يذبحون له القرابين‬
  ‫التلاقي بين الماضي والحاضر‪،‬‬            ‫على رماله‪ ،‬كيف ش َّكل المكان‬                        ‫على ذكر أماكن بعينها‪ ،‬إمعا ًنا‬
 ‫وكأن التاريخ الذي جعله الكاتب‬         ‫وجدانهم‪ ،‬يجعلهم أكثر صب ًرا‬                        ‫في الصدق والمعايشة‪ ،‬اختار بئر‬
‫خلفية في قصة الجدة غالية‪ ،‬يلقي‬       ‫وهدو ًءا‪ ،‬تريثًا وعم ًقا في التفكير‪،‬‬
                                        ‫كيف يرتبطون به وكأنه أحد‬                            ‫العبد لينطلق منه‪ ،‬ولو اعتبرنا‬
            ‫بظلاله على الحاضر‪.‬‬          ‫أفراد أسرتهم‪ .‬لا يستطيعون‬                         ‫للاسم دلالة‪ ،‬فالبئر في الصحراء‬
    ‫تقاطع الزمنان تقنيًّا على مدار‬    ‫مغادرته‪ ،‬وإن ابتعدوا عنه رغ ًما‬
   ‫الرواية حينما اختار الكاتب أن‬                                                             ‫حياة‪ ،‬منبع الماء وسط جفاف‬
                                            ‫عنهم‪ ،‬عادوا إليه مجد ًدا‪.‬‬                     ‫تحمله الرمال‪ ،‬اسم يحمل الأمل‬
                                     ‫كذلك شمل وصف المكان وصف‬                             ‫في غد أخضر‪ ،‬إلى جانب مجموعة‬
                                                                                           ‫أخرى من الأماكن التي تحركت‬
                                       ‫وسائل المواصلات الحديثة في‬                          ‫فيها الشخصيات مثل (الديرة‪،‬‬
                                       ‫مقابل الوسائل القديمة؛ النياق‬                     ‫القنطرة غرب‪ ،‬العريش‪ ،‬الشرقية‪،‬‬
                                       ‫والقطار قدي ًما‪ ،‬مقابل السيارة‬
                                      ‫الأجرة المرسيدس التي يعشقها‬
   279   280   281   282   283   284   285   286   287   288   289