Page 279 - m
P. 279

‫‪277‬‬         ‫ثقافات وفنون‬

            ‫كتب‬

‫جوزيف هيلر‬  ‫نجيب محفوظ‬                                 ‫خوان خوسيه مياس‬        ‫والخالة والأب والأخت التوأم للبطل‬
                                                                               ‫هم أبطال الحكايات الأربعة الأولى‪،‬‬
 ‫من أولى مراحل إشراقه إلى المغيب‪،‬‬          ‫بأقصى استفادة ممكنة‪ ،‬لم ينعتق‬       ‫فهم بمثابة العتبة التأسيسية لبقية‬
    ‫اشتبك البطل أي ًضا مع أسطورة‬          ‫من غوايتها الأب كساحرة شريرة‬
    ‫كلية الطب التي يعاني طالبها في‬                                              ‫المروية‪ ،‬يتشابك معهم البطل على‬
     ‫أبسط حقوقه وأكثرها بديهية‪،‬‬              ‫تحسن صناعة التمائم وتحجر‬             ‫امتداد الرواية بالتعاطف أحيا ًنا‬
    ‫كأن يقف على كرسي كي يصل‬             ‫الرجال في فلكها رغم عاديتها وكونها‬        ‫وبالغضب أحيا ًنا وبالحسرة في‬
     ‫له صوت الدكتور كالهمس من‬                                                 ‫أغلب الأحايين‪ ،‬تجلت نبرة الحسرة‬
                                          ‫لا تعدو صورة ميدوسا الثعبانية‪.‬‬       ‫واضحة في الفصل الخاص برحيل‬
  ‫جانب قصي في المشرحة‪ ،‬وما بين‬                                                 ‫الأخت التوأم‪ ،‬والتي ماتت بطريقة‬
  ‫تخيل البطل للجميلات المحروقات‬           ‫توقعات الطفولة وأزمة‬                    ‫دراماتيكية تعكس عبثية الحياة‬
  ‫كالساحرات وهن يمارسن الجنس‬                ‫الاصطدام بالواقع‬                     ‫وجنونها‪ ،‬الأخت الأميرة النائمة‬
 ‫مع فاقدي الأهلية في ليالي المشرحة‬                                           ‫طفلة الحلوى الجميلة لم ُتقبل براءتها‬
‫الطويلة‪ ،‬ومصيدة الزوجة المهووسة‬              ‫لعل من أعمق التأملات القابعة‬        ‫كقربان نجاة يخلصها‪ ،‬و ُس ِفحت‬
  ‫بالتنظيم‪ ،‬والخالة التي بالرغم من‬         ‫فيما وراء الحكاية هو أزمة البطل‬     ‫دماؤها على مذبح الواقع الهمجي‪.‬‬
                                                                             ‫أما الأب الذي يشبه ضفدع الحكايات‬
     ‫كل ما حملته من أنانية لم يكن‬              ‫في الاصطدام بالواقع بكامل‬
 ‫شر ًها كري ًها أو مطل ًقا طوال الوقت‪،‬‬    ‫يبوسته وظلمه الجاثم على حيوات‬            ‫فلم تمنعه دمامته من ارتكاب‬
‫فالجميلات الطيبات قد يحرق َن دونما‬         ‫البشر‪ ،‬تتفتت أولى توقعات البطل‬     ‫أقسى الأفعال بأريحية الخيار الحر‬
                                          ‫حيال إدراكه لصورة أبيه المهترئة‬     ‫للشر‪ ،‬لم يأت الأب بصورة شديدة‬
   ‫تهمة سحر أو شعوذة‪ ،‬والزوجة‬           ‫المشوشة حين يكتشف أنه ثمة رجل‬
 ‫المنظمة قد يحمل حرصها لعنة على‬                                                  ‫القتامة بل تحولت رمزيته للون‬
   ‫البيت‪ ،‬والخالة المتسلطة قد تكون‬          ‫مد ٍع مريض بالوسواس القهري‬         ‫الأدكن تدريجيًّا كلما أبحرت بمياه‬
‫السبب الوحيد في الحفاظ على نسيج‬           ‫أجهل من دابة وأتفه من أن يؤخذ‬      ‫النص‪ ،‬نجح الأب في تحطيم صورته‬
                                          ‫على محمل الجد‪ ،‬تحطمت الصخرة‬          ‫أمام ابنه ممار ًسا معه لعبة القاهر‬
    ‫البيت حتى لو كانت هي المحرك‬          ‫الثانية عندما تابع بأم عينيه مراحل‬   ‫والمقهور راميًا كل عقده ووساوسه‬
     ‫الذي ر ّسخ لتشوه هذا النسيج‬           ‫ذبول أمه كقمر خافت يعد نفسه‬
                                                                                 ‫في حجر طفله باستمرارية الذي‬
                                                                                 ‫لا يمل من ممارسة أمراضه على‬
                                                                                  ‫الأضعف منه‪ ،‬كما برع في نزع‬
                                                                              ‫ثوب الثقة من على الزوجة الناصعة‬
                                                                             ‫المسكينة تار ًكا إياها فريسة للإهمال‬
                                                                             ‫والاكتئاب والضلالات‪ ،‬حتى تحولت‬
                                                                              ‫إلى عود ذابل جاف فاقد للقدرة على‬
                                                                             ‫التواصل أو الحياة‪ ،‬كان الأب بمثابة‬
                                                                             ‫بوسيدون الذي ابتلع كل من اقتربوا‬
                                                                              ‫منه ولعنهم بداء المحبة التي بذلوها‬

                                                                                                  ‫في محرابه‪.‬‬
                                                                                  ‫بينما جاء الترميز لصورة الأم‬
                                                                              ‫كحورية بحر وأثينا التي لم تسامح‬
                                                                               ‫من خانوها‪ ،‬جاءت الخالة بصورة‬
                                                                               ‫أكثر واقعية كأنثى براجماتية تعلم‬
                                                                                  ‫كيف تستغل المتاح وتظفر منه‬
   274   275   276   277   278   279   280   281   282   283   284