Page 276 - m
P. 276

‫العـدد ‪59‬‬                            ‫‪274‬‬

                                       ‫نوفمبر ‪٢٠٢3‬‬

‫«حبة بازلاء تنبت‬

  ‫في كفي»‪ ..‬حين‬
                                                         ‫دينا الحمامي‬

‫تحمل الرواية عبء‬

‫الإنسانية بشتى‬

                                       ‫تجلياتها‬

 ‫به من ظروف اقتصادية وسياسية‬              ‫مباشر يفقد الفن جمالياته‪ ،‬ولكن‬       ‫إن كان التيار الأدبي الحداثي قد‬
 ‫ومتغيرات بيئية‪ -‬هو المُش ِّكل الأول‬     ‫بالأخذ في عين الاعتبار أن ما زال‬
                                        ‫الفن قاد ًرا على التشييد بما يتناسب‬    ‫ركز على الإنسان بصفة عامة‪ ،‬وما‬
    ‫لماهية الجسد المستقبلية؛ يمكننا‬      ‫مع معطيات الواقع المجتمعية‪ ،‬وما‬     ‫يستدعيه وجوده من تحديات فلسفية‬
  ‫التأمل في هذا الصدد عبر الرجوع‬         ‫تقتضيه من متغيرات تشمل الفرد‬         ‫ونفسية بوجه خاص‪ ،‬فلقد استدعى‬
 ‫إلى صور سكان مدينتي هيروشيما‬                                                 ‫أدب ما بعد الحداثة ما يجابهه الفرد‬
‫ونجازاكي المنكوبتين بقنابل الولايات‬                 ‫كوحدة بناء المجتمع‪.‬‬      ‫من التباسات تؤرقه في ظل المعطيات‬
  ‫المتحدة الأمريكية الذرية‪ ،‬والتي ما‬   ‫وضح الكاتب الاجتماعي عبد العزيز‬       ‫السوسيولوجية ومدى انعكاسها على‬
  ‫زالت تعاني على إثرها الأجيال من‬                                             ‫كل ما يخص الإنسان المعاصر‪ ،‬بد ًءا‬
 ‫تشوهات جينية امتدت إلى الإصابة‬            ‫أحربيل في دراسة دلالية مطولة‬
                                       ‫ُنشرت قبل ما يقارب عق ًدا أن الجسد‬       ‫من أزماته السيكولوجية المكرورة‬
       ‫بالسرطانات وإصابة المواليد‬       ‫ما هو إلا ثمة منتوج اجتماعي‪ ،‬رغم‬          ‫مرو ًرا بعلاقاته بالآخر وصو ًل‬
  ‫بالعيوب الخلقية‪ ،‬بخلاف الأضرار‬
‫المختلفة على البيئة الطبيعية والتي لا‬   ‫كونه ينطلق في الأساس من الأمور‬       ‫لرؤيته لذاته‪ ،‬وتحدي ًدا لجسده‪ ،‬وهو‬
 ‫يعرف أحد إلى متى سيستمر أثرها‪.‬‬         ‫البيولوجية والعضوية والفيزيائية؛‬       ‫ما برع به الكثير من أعلام أدب ما‬
                                         ‫وهو ما يستدعي التأمل‪ ،‬لأن حتى‬         ‫بعد الحداثة كخوان خوسيه مياس‬
 ‫ما تفسده الحياة يصلحه‬
          ‫الأدب‬                              ‫لو أكدنا صحة هذه الفرضية‪،‬‬          ‫وجوزيف هيلر وكورت فونيجت‬
                                          ‫سنقف في مواجهة ضرورة إقرار‬                                ‫وغيرهم‪.‬‬
 ‫إن كانت السياسة وما يترتب عليها‬          ‫أن الأمور البيولوجية والعضوية‬
   ‫هي الوجه القبيح للمجتمع والتي‬                                             ‫تميزت المشاريع الأدبية الغربية التي‬
      ‫تمخر نوائبها في عمقه فارضة‬             ‫‪-‬على سبيل المثال‪ -‬تتحكم في‬         ‫أولت عناية بالجسد بصفته كيا ًنا‬
                                           ‫الجسد كونها ناتجة عن تغيرات‬          ‫لا يمكن فصله عن «الأنا» و»الأنا‬
                                         ‫البيئة المحيطة‪ ،‬وهو ما سيردنا إلى‬
                                         ‫الأصل أن المجتمع ‪-‬وكل ما يحيط‬       ‫العليا» بالوضوح المطلوب من الأدب‪،‬‬
                                                                               ‫مع الاهتمام بعدم تكريسه كصنف‬
   271   272   273   274   275   276   277   278   279   280   281