Page 273 - m
P. 273

‫‪271‬‬       ‫ثقافات وفنون‬

          ‫رأي‬

‫جون كيتس‬  ‫إبراهيم ناجي‬                           ‫أحمد زكي أبو شادي‬                    ‫أعوذ برب الناس منك مداويا‬
                                                                                     ‫إن الشاعر العاشق هنا يتمنى‬
  ‫كعامل ثانوي ضروري لرسم‬                 ‫فعافتها وباتت في عظامي‬                      ‫أن يكون طبيبًا (دور إيجابي)‬
  ‫شخصية الشاعر وتبيان عظيم‬              ‫علميًّا عاد ًة ما تشتد حرارة‬
 ‫فعاله وسمو أخلاقه ليس أكثر‪.‬‬      ‫ال ُحمى في الليل‪ ،‬ومن هنا يشبهها‬                     ‫وبالمقابل هو مريض سقيم‬
                                   ‫بالحبيبة ذات الحياء التي تخشى‬                      ‫يستعصي علاجه على طبيب‬
        ‫***‬                       ‫دخول بيته نها ًرا بينما تتسلل لي ًل‬                ‫الإنس‪ ..‬مما اضطره إلى طلب‬
                                    ‫إلى فراشه‪ .‬كذلك يحس مريض‬                      ‫الدواء من طبيب الجن! أي (دور‬
   ‫من الأطباء الشعراء الأقدمين‬         ‫الحمى أثناء فترة القشعريرة‬                  ‫سلبي) حي ُث إن ُمصاب الشاعر‬
  ‫نذكر الشيخ الرئيس ابن سينا‬           ‫بالأوجاع عمي ًقا في عضلاته‬                   ‫تجاوز مقدرات ومعارف الطب‬
‫المتوفي ‪ 427‬للهجرة‪ ،‬وقد ُجمعت‬         ‫وعظامه‪ ،‬لذلك رغم أنه دعاها‬                   ‫عند البشر‪ ،‬وتجدر الإشارة هنا‬
 ‫أشعاره في ديوان ابن سينا من‬       ‫إلى النوم معه في البيت والفراش‬                ‫إلى دراسة طريفة للناقد السعودي‬
                                    ‫ولكن ُسكناها استقر في عظامه‪:‬‬                   ‫أحمد الغامدي بعنوان (توظيف‬
    ‫قبل حسين علي محفوظ عام‬              ‫يقو ُل لي ال َطبي ُب َأ َكل َت َشيئًا‬    ‫الطب في الشعر العربي) لمن يرغب‬
     ‫‪ 1957‬وصدرت عن مؤتمر‬                 ‫َودا ُؤ َك في َشرا ِب َك َوال َطعا ِم‬
      ‫المستشرقين الدولي الرابع‬                                                                       ‫في التوسع‪.‬‬
   ‫والعشرين‪ .‬غلب على أشعاره‬                  ‫َوما في ِطبِّ ِه َأني َجوا ٌد‬       ‫يدور الشريف الرضي كذلك حول‬
‫طابع الحكمة وتناوله لموضوعات‬             ‫َأ َض َر ِب ِجس ِم ِه طو ُل ال ِجما ِم‬
    ‫فلسفية صوفية‪ ،‬ومن أشهر‬         ‫الطبيب هنا يهتم بالظاهر ويعزو‬                    ‫ذات الفكرة‪ ،‬فالحب هو المرض‬
  ‫قصائده القصيدة العينية التي‬     ‫مرضي إلى الطعام والشراب‪ ،‬فهو‬                         ‫الأكبر والقلب ُمستقر العلل‬
                                  ‫جاهل لا يعلم أن مرضى هو طول‬
            ‫يصف فيها النفس‪:‬‬       ‫مقام الراحة (الجمام) وأن روحي‬                     ‫العاطفية‪ ،‬هذه العلل التي يقف‬
   ‫هبط ْت عليك من المحل الأرف ِع‬    ‫تطلب التحدي وساحات القتال‪.‬‬                              ‫الطبيب عاج ًزا أمامها‪.‬‬
    ‫محجوبة عن كل مقلة عارف‬          ‫يظهر الطبيب في قصيدة المتنبي‬
                                                                                     ‫َدعوا لي َأ ِطبا َء ال ِعرا ِق لِ َين ُظروا‬
     ‫وصل ْت إلى كره إليك وربما‬                                                        ‫َسقامي َوما ُيغني ال َأ ِطبا ُء في‬
       ‫ورقاء ذات تعزز وتمن ِع‪.‬‬
                                                                                                           ‫ال ُحب‬
                                                                                    ‫ُيطيلو َن َجس النا ِبضي ِن َضلا َل ًة‬
                                                                                    ‫َو َلو َعلِموا َجسوا ال َنوا ِب َض ِمن‬

                                                                                                           ‫َقلبي‪.‬‬
                                                                                         ‫ومن أجمل قصائد الشعر‬
                                                                                   ‫العربي القديم في وصف المرض‬
                                                                                      ‫قصيدة أبو الطيب المتنبي في‬
                                                                                  ‫ال ُحمى التي كتبها بسبب إصابته‬
                                                                                    ‫بها عندما كان في مصر‪ ،‬حيث‬
                                                                                     ‫يمزج الشخصي بالموضوعي‪،‬‬
                                                                                    ‫والطبي الفيزيائي بالنفسي‪ ،‬في‬
                                                                                 ‫سردية شعرية تسبر غور النفس‬
                                                                                    ‫الإنسانية يتنازعها فيها طموح‬
                                                                                     ‫الشاعر الجامح وواقع جسمه‬

                                                                                                  ‫المريض المُنهك‪.‬‬
                                                                                           ‫َوزا ِئ َرتي َك َأ َن ِبها َحيا ًء‬
                                                                                        ‫َف َلي َس َتزو ُر إِلا في ال َظلا ِم‬
                                                                                      ‫بذل ُت لها المطارف والحشايا‬
   268   269   270   271   272   273   274   275   276   277   278