Page 92 - مجلة ثقافة قانونية عدد المؤتمر
P. 92
الجدول الزمني المعلن لتحقيق هدف حماية حقوق الإنسان ،وكذلك ،هناك إستراتيجيات منوطة بحقوق
الملكية الفكرية ،ترسم من خلالها الدولة الخطة التي ستوفر بها الحماية الكاملة لحقوق الملكية الفكرية،
وأوجه الاستفادة التي ستعود على الدولة من هذه الحماية.
وحين شجعت (اليونسكو) في توصيتها الدول الأعضاء على وضع تلك الإستراتيجيات ،كان
الهدف من ذلك لفت انتباه الدول إلى أهمية الذكاء الاصطناعي والنظر إليه باعتباره عاملاً مؤثرا في تقدم
الدول في المستقبل القريب ،ومن ثم ما يتوجب على الدول حينئذ من وضع إستراتيجيات تحتوي على
تعريف الذكاء الاصطناعي عندها وأوجه الاستفادة المرجوة والجدول الزمني الموضوع لتحقيق الأهداف
المتعلقة به ،وأخي ًرا رؤية الدولة في التنظيم القانوني للذكاء الاصطناعي ،من خلال تحديد أبعاد الحماية
القانونية من استخدامه ،وكذلك الحماية القانونية له ،والأجهزة التي ستقوم على تنفيذ هذا الشكل القانوني،
والتي ستدير شؤون الذكاء الاصطناعي بصفة عامة.
الإستراتيجيات الوطنية كمدخل للتنظيم القانوني
والإستراتيجيات الوطنية هي الخطوة الأولى في طريق التنظيم القانوني للذكاء الاصطناعي،
فالموضوع وإن كان جديدًا بالقدر الذي يجعل الدول تهاب فكرة وضع قانون ينظمه ،إلا أن ذلك يرجع إلى
انقسام الدول بين قسمين؛ أولهما ُمبتكر و ُمنتج و ُمستخدم لتطبيقات الذكاء الاصطناعي ،أما الثاني فيضم
الدول التي لا علاقة قوية لها به ،وإنما قد تكون علاقة باهتة وضعيفة .أما القسم الأول فقد يُح ِجم عن
التنظيم القانوني؛ لأنه سيترتب عليه تحجيم لمكتسبات هذه الدولة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي؛ سواء
إن كانت ُمنتجة و ُمصدّرة أو كانت ُمستخدمة؛ لأن التنظيم القانوني سيضع -بما لا يدع مجالاً للشك-
محظورات على إنتاج واستخدام الذكاء الاصطناعي في مجالات مختلفة ،مثل ما قرره القانون الأوروبي
من حظر تطبيقات الذكاء الاصطناعي متناهية الخطورة ،وتحجيم العمل بالتطبيقات عالية الخطورة ،فهذا
القسم سيكون من مصلحته الإبقاء على الوضع غير المنظم قانونًا أطول فترة متاحة بغرض تحقيق أكبر
أرباح وعوائد ممكنة .بينما القسم الثاني والذي يعتبر خارج دائرة الذكاء الاصطناعي من الأساس ،فهذه
الدول لا تبتكر ولا تنتج ولا حتى تستخدم -عن طريق الاستيراد -تطبيقات الذكاء الاصطناعي ،فلا يجد
مصلحة محققة في وضع تنظيم قانوني لأمر يجهل منافعه وعواقبه.
ومع ذلك ،فإن التنظيم القانوني للذكاء الاصطناعي هو أمر متحقق عاجلاً أو آجلاً ،ونرى أنه كلما
سارعت الدول لتنظيمه كان أفضل ،حتى تتمكن من تقنين المسألة كما يناسب أهدافها ومبادئها من قبل أن
يتم فرض تنظيمات قانونية مغايرة عليها تبعًا لتغيرات الاقتصاد العالمي واختلاف موازين القوى من
مرحلة لأخرى .والتنظيم القانوني للذكاء الاصطناعي هو من الأمور المستحدثة ،ومن اليقين أنه لن يخرج
في أفضل صورة من المحاولة الأولى ،وإنما يحتاج إلى وقت يتط ّور فيه ،وتجارب يخوضها يُخ ِفق في
بعضها ،وينجح في البعض الآخر ،فكلّما بادرت الدول في التنظيم القانوني للذكاء الاصطناعي أعطت
نفسها فرصة أفضل في السبق للوصول إلى الصورة الأفضل والأتم في هذا الأمر.
الغاية من القانون :الإطار والتنظيم والوقاية
من الواجب أن يرتبط القانون عقلاً وعملاً بالهدف المرجو تحقيقه؛ إذ إنه ليس ال ُمستهدف في
ذاته ،وإنما هو وسيلة لتحقيق أهداف معينة .ووضع تشريع ينظم الذكاء الاصطناعي يُستهدف منه رسم
إطار واضح يحكم إنتاج واستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في ُكل المجالات التي يمكن استخدامه
فيها .ويُدرك ال ُمتابع لتطور الذكاء الاصطناعي مدى تشعب مجالات استخدامه ومدى تنوع وسائله ،وما
يترتب على ذلك التشعب والتنوع من إشكاليات حالة ومستقبلية ،يجب أن يكون القانون قاد ًرا على مواجهة
الحال منها ،و ُمستعدًا للتعامل مع المستقبلي من ناحية أخرى.
مجلة ثقافة قانونية -عدد خاص بمؤتمر القانون والذكاء الاصطناعي | 92Page