Page 96 - مجلة ثقافة قانونية عدد المؤتمر
P. 96
يتميز كذلك هذا النموذج بأنه سيتحقق إصداره بصورة أسرع من إصدار القانون الشامل الوارد
في النموذج الأول ،وذلك لأنه سيتناول المبادئ والأطر العامة ،والتي قد لا تتعدى 20مادة ،فيخرج للنور
ليدرك ذلك الفراغ التشريعي الراهن فيما يتعلق بتنظيم الذكاء الاصطناعي ،ويكون مظلة تشريعية تعمل
تحتها المحاكم ،وكذلك الجهاز الإداري للدولة ،ومن خلال هذا العمل سيتضح أي المجالات يجب البدء بها
وما هي المشكلات العملية التي تحتاج إلى حلول تشريعية ،فتبدأ الجهات التشريعية في العمل على إيجاد
تلك الحلول .فضلاً عن أن ذلك النموذج سيوفر على الدولة تكلفة إصدار تشريع شامل يتناول كل جوانب
الذكاء الاصطناعي ومجالاته ويضع الحلول لكل الإشكاليات ستكون ثقيلة ،فعملية إعداد القانون سيشترك
فيها عدة جهات والعديد من الجلسات التشاورية والاستماع لآراء الخبراء في كل مجال مما سيكون عبئًا
على الخزانة العامة يمكن تفاديه بأن يكون سداد تلك ال ُكلفة تدريجيًا حسب النموذج الثاني.
أهمية وضع التعريفات لتكون دليلا لتشريع الذكاء الاصطناعي
ومن أهم الأركان التي يجب أن ينبني القانون الإطاري عليها هو تخصيص باب للتعريفات،
يتعلق بتقديم التعريف القانوني المنضبط -الذي سيتوصل إليه المشرع بمشاركة أهل الخبرة الفنية في
تصنيع وتطوير الذكاء الاصطناعي -لكل مصطلح متعلق بدورة حياة الذكاء الاصطناعي.
وتأتي أهمية باب التعريفات من أنه سيكون المرجع الأساسي لكل تشريع متخصص في استخدام
معين من استخدامات الذكاء الاصطناعي ،فيتم وضع تعريف لمصطلحات مثل "الخوارزميات"،
و"التطبيقات" ،و"التصميم" ،و"التصنيع" ،و"التشغيل" ،و"التعلم الآلي" ،و"البيانات الضخمة" وغير
ذلك من المصطلحات .فإن استقرت تعريفات تلك المصطلحات بالقانون الإطاري على نحو ما سلف،
تجنبنا وقوع خلافات وتعارضات بين التشريعات المنفصلة التي ستأتي تبا ًعا من حيث تعريفها لتلك
المصطلحات ،على أن يتم النص على كون هذه التعريفات مرجعية و ُملزمة لكل تشريع تال ينظم استخدام
الذكاء الاصطناعي في أي مجال.
أهمية الحوار المجتمعي قبل تشريع الذكاء الاصطناعي
الذكاء الاصطناعي هو تطور غير مسبوق في حياة البشر ،شكل جديد للحياة لم تعهده المجتمعات
من قبل ،ومن ثم فلا يمكن أن تقدر مناهج التشريع التقليدية ومدارسه المستقرة على التكيف معه ،وتستطيع
معالجته وتنظيمه؛ فالوصول لتشريع ينظم تصميم وتصنيع واستخدام الذكاء الاصطناعي لن يكون عبر
طريق ممهد وميسر ،بل نحسب أن تحقيق هذا الهدف سيشهد عقبات للمرور عبرها ،ولذلك يجب أن يتسم
ال ُمشرع بسعة الأفق وسعة الصدر في نفس الوقت .إن التحول الرقمي المتسارع الذي يمر به العالم أدى
إلى تغيرات جذرية م َّست حياة الأفراد والمجتمعات ،وترتب على ذلك اعتبار تنظيم الذكاء الاصطناعي
قانونًا شأنًا عاما ،لا يخص المتخصصين أو صناع القرار فقط ،بل ينبغي إشراك كل طوائف المجتمع فيه
لما للذكاء الاصطناعي من أثر نافذ على المواطن في أهم جوانب حياته مثل الصحة ،والتعليم ،والأمن،
والعمل وغير ذلك من الجوانب .ولم يعد هذا الإشراك المجتمعي خيا ًرا يمكن الأخذ به أو طرحه ،وإنما
أصبح ضرورة لضمان نجاح هذا التنظيم القانوني وعدالته.
وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لا تعمل في الإطار القانوني فقط ،وإنما تمتد إلى الفضاء
الاجتماعي والثقافي والأخلاقي؛ فلذلك يجب توسيع الحوار المجتمعي ال ُمم ِّهد للتشريع ،والاهتمام من قِبل
المشرع بمخرجات هذا الحوار للوصول لتشريع يناسب المجتمع.
ومن أبرز الأمثلة على هذا النهج الديموقراطي ما جاءت به المفوضية الأوروبية -قبل إصدار
القانون الأوروبي للذكاء الاصطناعي -4من إطلاق مشاورات عامة ومجتمعية حول الذكاء الاصطناعي
4 https://artificialintelligenceact.eu/
مجلة ثقافة قانونية -عدد خاص بمؤتمر القانون والذكاء الاصطناعي | 96Page