Page 10 - كتاب النبأ العظيم
P. 10

‫المكشوف الذي ُتخاطب به الأغبياء لنزلت إلى مستوى لا يرضونه لأنفسهم في الخطاب‪ ،‬ولو خاطبت العامة‬
‫باللمحة والإشارة لر ِج ْئتهم بما لا تُطيقه عقولهم‪ ،‬فأما أن جُملة واحدة تُلقي إلى العلماء والجُهلاء فيراها كل منهما ُمق ادرة‬
‫على مقياس عقله‪ ،‬فذلك ما لا تجده على أتر ِّمه إلا في القرآن الكريم‪ " :‬رولرقر ْد ير اس ْر رًن الْ ُق ْرآ رن لِل ِّذ ْك ِر فرهر ْل ِمن مم اد ِكر"‪.‬‬
‫وأيضا من خصائصه إقناع العقل وإمتاع العاطفة‪ :‬إن أسلوبا واحدا يجمع في يديك هذين الطرفين معا‪ ،‬كالغصن‬
‫الواحد من الشجرة يحمل أوراقا وأزهارا وثمارا‪ ،‬فذلك ما لا تظفر به في كلام البشر‪ ،‬ولا تجده إلا في القرآن‬
‫الكريم‪ .‬ألا تراه في فسحة قصصه وأخباره لا ينسى حق العقل من حكمة وعبرة؟ أولا تراه في معمعة براهينه‬
‫وأحكامه لا ينسى حظ القلب من تشويق وترقيق؟ وكذلك من خصائصه البيان والإجمال‪ ،‬ترى للجملة الواحدة‬
‫أو الكلمة الواحدة وجوها عدة‪ُ ،‬كلها صحيح أو محت ِمل للصحة كقوَل تعالى‪" :‬والله يرزق من يشاء بغير حساب‬
‫“‪ ،‬فلو قلت إنه سيرزق من يشاء بغير محاسب يحاسبه‪ ،‬أصبت‪ ،‬ولو قلت لا سائل يسأَل لماذا يبسط الرزق‬
‫لهؤلاء وير ْق ِد ُره على هؤلاء‪ ،‬أصبت‪ .‬ومن عجائبه أيضا دقة التعبير القرآني‪ ،‬حت أنه يؤدي المعنى الوافر الثري‪،‬‬

 ‫في اللفظ القاصد النقي كقوَل – تعالى ‪" :-‬وقيل يا أرض ابلعي ماءك “‪ ،‬وقوَل‪" :‬ولُك في القصاص حياة "‪.‬‬
‫والقرآن إيجا ٌز كله‪ ،‬فليس فيه كلم ٌة زائدة ولا ُم ْق رحمة‪ ،‬ولنأخذ على ذلك ِمثالا بقوَل تعالى‪" :‬ليس كمثله شيء "‪،‬‬
‫فأكثر أهل العلم ذهب إلى أن الكاف زائدة‪ ،‬ولكن أرى أن هذا الحرف لو سقط لسقطت معه ُدعامة المعنى‬
‫ونبين ذلك فنقول‪ :‬إنه لو قال‪" :‬ليس مثله شيء “‪ ،‬لنفري بذلك ُتربة المثل المكافئ‪ ،‬ولكن قد يتسرب للنفس أن‬
‫هناك تربة تر ِلي تربة الألوهية‪ ،‬فكان وضع هذا الحرف إقصاء للعالم عن المماثلة وعما يُشبه المماثلة وما يدنو منها‪.‬‬

                                                             ‫‪9‬‬
   5   6   7   8   9   10   11   12