Page 299 - merit 47
P. 299

‫‪297‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫كتب‬

‫شجية إلى حقبة الثمانينيات وبداية‬      ‫دلالية‪ ،‬فالغطاء تكشف فى البداية‬         ‫فالرواية مجموعة من الفقرات‬
‫التسعينيات‪ ،‬فمررنا بالأجواء التي‬        ‫فى صفحة (‪ )12‬حين عرفنا أن‬           ‫الطويلة‪ ،‬أحيا ًنا تكون صفحة أو‬
‫احتفظت بالملامح والخصال‪ ،‬ذكرنا‬                                               ‫أكثر‪ ،‬تبدأ بجملة توضيحية‪ ،‬أو‬
 ‫الكاتب بالشاب الصعيدي الأسمر‬        ‫الكلب الأجرب هو من أنقذ نسرين‬
                                           ‫من بطش أبو الأنوار وقتله‪،‬‬           ‫مدخل للقراءة‪ ،‬ربما بدا الأمر‬
    ‫المسيحي الذى جاء من صعيد‬                                                ‫مستغر ًبا فى البداية‪ ،‬إلى أن ينتبه‬
   ‫مصر نحي ًل بائ ًعا متجو ًل يبيع‬     ‫النهاية تأتى فى شكل مشهد من‬           ‫القارئ لفكرة التجريب تلك‪ ،‬لقد‬
  ‫القماش والحب للناس (الجوال)‪.‬‬           ‫الدراما المتصاعدة‪ ،‬التى يشتد‬      ‫استخدم الأعداد كعناوين للفقرات‬
   ‫ثم سحب أرواحنا تجاه القضية‬            ‫فيها الصراع بصراخ نسرين‪،‬‬           ‫أو الفصول القصيرة‪ ،‬واستخدم‬
   ‫الفلسطينية بانتفاضاتها المجيدة‬         ‫وتجاهل الناس وعلو الأذان‪،‬‬         ‫الكاتب الراوى المتكلم في السرد‪،‬‬
‫ورحلة المظاهرات الجامعية ولصق‬             ‫وفوران الانتفاضة‪ ،‬وتجاهل‬
                                       ‫المثقفين‪ ،‬ففى قمة الصراع نجد‬             ‫وأحيا ًنا كان هناك را ٍو عليم‪،‬‬
     ‫المنشورات‪ ،‬ثم سافر بنا عبر‬                                            ‫وتعددت الأصوات السردية‪ ،‬لكننا‬
  ‫رحلة شيقة إلى العريش وكفوفنا‬       ‫من هم فى طريقهم لمناقشة كتاب‪،‬‬         ‫لا نستطيع الجزم أننا أمام رواية‬
  ‫مبتلة بزيت الزيتون الفلسطيني‪،‬‬      ‫فى تع ٍّر متعمد للمثقفين والخانعين‬
                                                                                ‫بوليفية‪ ،‬فقد كانت الأصوات‬
    ‫ثم توقف معنا على معبر رفح‬                ‫والمدعين أصحاب اللحى‪.‬‬          ‫تخفت ليعلو صوت البطل الأول‬
  ‫ورأينا الأعلام الإسرائيلية تر ُّف‬     ‫لكن الكلب الأجرب قتل الباغي‪،‬‬
‫على أرضنا العربية‪ ،‬وأوجع قلوبنا‬        ‫فى مشهد مثير‪ ،‬دفا ًعا عن امرأة‬                        ‫وهو الشارع‪.‬‬
 ‫بالحديث عن القدس‪ ،‬هذا الاتجاه‬           ‫مظلومة‪ ،‬هذا القبح جاء بنسق‬        ‫بعد أن أعطى الكاتب دور البطولة‬
   ‫ضغط فيه الكاتب على العروبة‪،‬‬       ‫سردي هادئ بعض الشيء ثم ما‬
 ‫وذكرنا بها حين كانت هى الرداء‬                                                  ‫للشارع الطويل؛ لا تستطيع‬
‫والستر والملاذ وبعدها سرنا عرايا‬                       ‫لبث أن انفجر‪.‬‬          ‫تحديد الشخصيات الأساسية‬
                                                                              ‫والثانوية بسهولة‪ ،‬فقد تحتاج‬
            ‫منبوذين دون قضية‪.‬‬           ‫تعرية الواقع فى ظل‬                   ‫جه ًدا كبي ًرا لتمييز الشخصيات‪،‬‬
                ‫فقط توقفت عند‪:‬‬                ‫القضايا‬
                                                                                 ‫فهل البطل بعد الشارع هي‬
   ‫‪ -1‬نسرين التي كانت شخصية‬                ‫سار السرد فى بنية الحكي‪،‬‬            ‫نسرين بائعة الخبز‪ ،‬أم رزق‬
     ‫محورية‪ ،‬كانت تحتاج بعض‬               ‫فالكاتب يحكى على لسان را ٍو‬       ‫الذى عاش كار ًها تسلط أبيه‪ ،‬أم‬
                 ‫المعالجة الأدبية‪.‬‬                                          ‫هو فتحى الذى يرى ويسمع أمه‬
                                           ‫متكلم ثم يسترجع‪ ،‬ثم يبعد‬         ‫وهى تبيع نفسها كل ليلة لرجل‬
    ‫‪ -2‬بعض الغموض في الرواه‪،‬‬              ‫عن الحدث الأساسي ويسير‬                ‫آخر بعلم ومباركة والده‪ ،‬أم‬
     ‫أو قد يحتاج القارئ مجهو ًدا‬        ‫فى منحنيات يظهر فيها الشارع‬          ‫أشرف الق َّواد الذى حكى معظم‬
                                        ‫بصورته الواقعية‪ ،‬فكانت سمة‬             ‫الأحداث‪ ،‬أم أنه الباشمهندش‬
               ‫لاكتشاف الراوي‪.‬‬             ‫الاستدعاء الغالبة على المنطق‬     ‫الذى تركته أمه وسافرت فعاش‬
‫‪ -3‬بعض الالتباس في علاقة رزق‬                                                    ‫بعقدة الفقد والوحدة كار ًها‬
                                                 ‫السردي طول الوقت‪.‬‬           ‫كل النساء‪ ،‬أم أبو الأنوار رجل‬
  ‫بنسرين‪ ،‬أحيا ًنا كان يعلن أنه لا‬     ‫أرى أن للكاتب رؤى أخرى غير‬
   ‫يريدها إلا صديقة وأحيا ًنا تبدو‬                                               ‫الحارة الأقوى والأظلم‪ ،‬أم‬
                                           ‫الصورة الواقعية التي تعمد‬           ‫إبراهيم صاحب محل البقالة؟‬
                       ‫غير ذلك‪.‬‬         ‫إظهارها‪ ،‬فهو يعري الواقع بكل‬          ‫بدأ الكاتب الرواية من النهاية‪،‬‬
 ‫في النهاية نحن أمام عمل يستحق‬                                                ‫من جريمة القتل‪ ،‬التي لم يعلن‬
                                           ‫من فيه‪ ،‬المثقف‪ ،‬رجل الدين‪،‬‬         ‫تفصيلها إلا تبا ًعا‪ ،‬وهنا ضمن‬
       ‫الدراسة والبحث في طريقة‬         ‫المتعلم‪ ،‬والجاهل‪ ،‬الغني والفقير‪،‬‬
   ‫التجريب التي اتبعها الكاتب في‬        ‫يعري الطبقات الاجتماعية كلها‬             ‫فرضية استمرار التشويق‬
   ‫البناء والسرد‪ .‬سنظل في حاجة‬       ‫راف ًضا الرايات المرفوعة ريا ًء باسم‬    ‫والجري خلف الأحداث‪ ،‬ما بين‬
    ‫لذكر القدس فى أعمالنا الأدبية‬                                             ‫البداية والنهاية روابط ورموز‬
‫حتى لا تضيع القضية مع الذاكرة‬                 ‫الوطنية والدين والحرية‪.‬‬
    ‫العربية التي بدأت في التلاشي‬         ‫أخذنا الكاتب في رحلة عاطفية‬
   294   295   296   297   298   299   300