Page 296 - merit 47
P. 296

‫العـدد ‪47‬‬                            ‫‪294‬‬

                                           ‫نوفمبر ‪٢٠٢2‬‬

                   ‫كوني سعيدة‬               ‫الفنية والجمالية والنفسية (الفرح‪،‬‬    ‫الكتابة‪ ،‬بعدما انتصرت إرادة الواقع‬
     ‫كما في ما مضى من مساءاتنا‬             ‫الاكتئاب‪ ،‬اليأس‪ ،‬الرتابة)‪ ،‬والتي قد‬      ‫«الموت» على إرادة الرغبة والحلم‬
                                           ‫تتجلى أكثر في مضمار الكتابة‪ ،‬الذي‬       ‫«استمرار علاقة أسماء بوحيد إلى‬
                        ‫الجميلة‬
   ‫اقرئي مرة كتبي واصرخي»(‪.)8‬‬                ‫حوله وحيد إلى سلاح في مواجهة‬        ‫ما لا نهاية»‪ ،‬بالإضافة إلى طموحها‬
                                              ‫الموت عندما أدرك اقتراب فنائه‪،‬‬     ‫أن تضمن الخلود لذاتها‪ ،‬وأن تنجب‬
         ‫ختا ًما‬                               ‫تار ًكا لفعل الكتابة الاستمرارية‬
                                             ‫في تمثيل وجوده‪ ،‬وبهذا حاول أن‬          ‫أبنا ًء رمزيين‪ ،‬بعد أن حرمت من‬
 ‫تغدو الكتابة فع ًل إنسانيًّا مشتر ًكا‬     ‫يبدل جسده الوجودي المادي بجسد‬                     ‫إنجاب أبنا ٍء حقيقيين‪.‬‬
   ‫بين المرأة والرجل‪ ،‬فهي نبراس‬
    ‫الذات‪ ،‬وامتداد لوجودها الفعلي‬               ‫الكتابة‪ ،‬الذي ينبعث من رماد‬       ‫فأريج الكتابة لم يقتصر على الذات‬
      ‫في الواقع‪ ،‬أو حضورها عبر‬              ‫الموت كزهور فتية تبهرنا بجمالها‪،‬‬         ‫الساردة التي وجدت الحياة في‬
   ‫سيناريوهات الذكريات‪ ،‬ضامنة‬              ‫وناشرة عبقها في كل الأرجاء‪ ،‬فهي‬
                                                                                 ‫روح القلم‪ ،‬فوحيد استرجع توازنه‬
‫الخلود الحقيقي للذات‪ ،‬فالكتابة هي‬             ‫حرة تعانق من تريد وتهجر من‬           ‫الوجودي بفضل الكتابة التي تعد‬
 ‫البديل للأزمة النفسية والوجودية‬              ‫سئمت من وجوده‪ ،‬فالكتابة هي‬          ‫مغذى الروح والكاشفة عن الجرح‬
‫للحياة البشرية‪ ،‬أي كدواء لثغراتها‪،‬‬             ‫امتداد للروح وللذات‪ ،‬فقد يفنى‬      ‫الداخلي‪ ،‬والمضمد له حسب وصف‬
  ‫ومفتاح الخلاص لأزمة وجودها‪،‬‬                 ‫الجسد‪ ،‬ولكن الفكرة تبقى بفعل‬          ‫أسماء‪« ،‬أكاد أراه خلف السطور‬
  ‫وبالتالي جعلت أسماء من الكتابة‬              ‫مشعل الكتابة كدليل على قوتها‪،‬‬      ‫يضمد بالقلم ما ينبض حيًّا بداخله‪،‬‬

     ‫هد ًفا من أجل أن تحيا الحياة‬                 ‫ووجود حضن مليء بالحب‪.‬‬              ‫تما ًما كما تضمد الجراح بقطع‬
     ‫مع من تريد وبكل حرية‪ ،‬عبر‬               ‫من امتلك سحر الكلمات‪ ،‬ومداعبة‬                      ‫الشاش الطبي»(‪.)5‬‬
  ‫استرجاعها لذكرياتها مع وحيد‪،‬‬              ‫خصلات الروح من أجل البوح عن‬
   ‫هذا الأخير الذي كان يبحث عن‬                ‫أزمة الذات‪ ،‬ضمن حياة متعددة‪،‬‬           ‫فوحيد كانت له رغبة دفينة في‬
    ‫الحياة في كل مكان وزمان‪ ،‬في‬                                                     ‫ضمان الخلود لذاته بوصفه أو ًل‬
  ‫الضوء وفي العتمة‪ ،‬وقد جعل من‬                 ‫لا يحدها زمان ولا مكان‪ .‬فكان‬      ‫شاع ًرا‪ ،‬وثانيًا لأنه حرم من أنجاب‬
 ‫الكتابة تأشيرة عبور من الموت إلى‬           ‫الشعر الذي ينثره وحيد في ملكات‬       ‫أطفال مع سوزان‪ ،‬رغم عدم وجود‬
                                                                                    ‫سبب عضوي في ذلك كما يقول‪،‬‬
                         ‫الحياة‬                 ‫الأنفس‪ ،‬وتطلعات الحلم‪ ،‬وفي‬
                                            ‫مواجهة فظاعة العالم‪ ،‬بمثابة هدف‬           ‫«كلنا ينشد الخلود‪ ،‬المبدع عبر‬
               ‫الهوامش‪:‬‬                                                            ‫إبداعاته‪ ،‬وغير المبدع عبر ذريته‪..‬‬
                                              ‫في مواجهة الموت وحضوره عبر‬            ‫كل منا يود أن يترك أثر خطواته‬
    ‫‪ .1‬فاتحة مرشيد‪« ،‬لحظات لا غير»‪،‬‬          ‫ندى الذكريات‪ ،‬هذا ما نستخلصه‬
    ‫المركز الثقافي العربي‪ ،‬الطبعة الثانية‬                                                    ‫فوق قشرة العالم»(‪.)6‬‬
                                                            ‫من خلال قوله‪:‬‬            ‫إن رغبة الذات في الحياة هو ما‬
                      ‫‪ ،2010‬ص‪.55‬‬                 ‫«تريث قلي ًل أيها الموت‪ ..‬إني‬   ‫يدفعها إلى البحث عن منافذ جديدة‪،‬‬
              ‫‪ .٢‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.83‬‬                                                   ‫تمكن النفس من العيش بحرية‪،‬‬
   ‫‪ .٣‬عبد الرحمن التمارة‪« ،‬دراسات في‬                              ‫أكتب»(‪.)7‬‬         ‫وامتصاص ما يمكن امتصاصه‬
    ‫السرد الإماراتي»‪ ،‬إحدى قراءته في‬         ‫وأن آخر قصيدة كتبها وحيد قبل‬         ‫من رحيق الحياة‪ ،‬التي لا تنحصر‬
   ‫رواية «آخر نساء لنجة» للولوه أحمد‬         ‫رحيله لخير دليل على أنه أراد أن‬      ‫فقط في العلاقة بالآخر‪ ،‬أو بالعمل‪،‬‬
                                                                                     ‫أو في مزاولة مهام أخرى‪ ،‬بقدر‬
                   ‫المنصوري‪ ،‬ص‪.20‬‬             ‫يضمن لنفسه الخلود بالكلمات‪،‬‬         ‫ما قد تتجلى الحياة في اقترابك من‬
    ‫‪ .٤‬فاتحة مرشيد‪« ،‬لحظات لا غير»‪،‬‬               ‫كلما ُنطق حرف من حروف‬             ‫ذاتك‪ ،‬وسبر أغوارها‪ ،‬وذلك عن‬
                                                                                     ‫طريق عرضها أمامك‪ ،‬بواسطة‬
                            ‫ص‪.104‬‬             ‫قصائده‪ ،‬أو عن طريق سراديب‬            ‫التفكير أو التأمل في هذا الوجود‪،‬‬
              ‫‪ .٥‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.15‬‬                               ‫الذكريات‪:‬‬           ‫فالحياة لا تنحصر في إنجازاتك‬
              ‫‪ .٦‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.42‬‬                                ‫«سيدتي‬           ‫بقدر ما هي موجودة في ابداعاتك‬

                ‫‪ .٧‬المرجع نفسه‪.160 ،‬‬                ‫أعفيك الحداد يوم رحيلي‬
                ‫‪ .٨‬المرجع نفسه‪.161 ،‬‬         ‫يوم لا أجيئك إلا في انفلات شكل‬

                                                                  ‫الذكريات‬
   291   292   293   294   295   296   297   298   299   300