Page 42 - merit 47
P. 42

‫العـدد ‪47‬‬   ‫‪40‬‬

                                                         ‫نوفمبر ‪٢٠٢2‬‬

  ‫فيغرق‪ ،‬وترتاح الكرة الأرضية من البشر الفارين‬           ‫الأسماء الرموز وتوظيفها الشعري‬
      ‫من الطوفان‪ ،‬بعد أن ارتاحت من الغارقين في‬
                                                             ‫غير أنه يكثر من توظيف الأسماء‪ /‬الرموز في‬
  ‫الطوفان‪ ،‬وبهذا الهلاك‪ ،‬لا يكون الهواء بحاجة الى‬           ‫نصوصه‪ ،‬وهي تزيد على المئة اسم‪ /‬رمز‪ ،‬وهي‬
   ‫«سمكري»‪ .‬ويؤدي الدلالة نفسها توظيف قصة‬                    ‫أسماء‪ :‬شعراء عرب وأجانب قدامى وحداثيين‪،‬‬

 ‫الخضر وموسى‪ ،‬ففيها يقول «السمكري» إنه تعلم‬                    ‫وشخصيات وأحداث تاريخية عربية وعالمية‪،‬‬
 ‫الدرس‪ ،‬وكان ذلك آية له‪ ،‬فسيثقب القارب‪ ،‬ويقتل‬             ‫وشخصيات أسطورية وأساطير وحكايات‪ ،‬وأنبياء‬
  ‫الابن‪ ،‬ويهدم حائط أبيه فوقه‪« ،‬فمن مد ٍن كهذه لا‬        ‫وأولياء وقديسين‪ ،‬وكتب وكتَّاب‪ ،‬وعبارات دالَّة على‬
                                                         ‫شخصيات‪ ،‬أو أحداث‪ ،‬مثل‪« :‬سبحاني»‪ ،‬المشيرة إلى‬
        ‫تخرج سوى الوحوش الضارية» (ص‪.)٢٩‬‬                    ‫الحلاج‪ ،‬بعضها معروف للمثقف‪ ،‬وبعضها ال َاخر‬
  ‫هذه اللغة ليست لغة عادية‪ ،‬وإنما هي لغة مجاز‪/‬‬
‫انزياح بمختلف أنواعه‪ ،‬تحتاج إلى تأويل سوسيو‪-‬‬                ‫غير معروف إلا للمثقف المختص في المجال الذي‬
  ‫ثقافي‪ ،‬يحتاج الى معرفة سوسيو‪ -‬ثقافية‪ ،‬أي إلى‬             ‫ينتمي إليه الاسم‪ ،‬وبعض منها غير مشهور‪ ،‬مثل‬
‫منهج سيميائي سوسيو‪ -‬ثقافي لإجراء قراءة فيها‪،‬‬             ‫«ريغا» و»أوشو» و «زيغولدا»‪ ..‬وهذا يقتضي شرح‬
                                                         ‫ما ينبغي شرحه في ملحق أو في الهامش‪ ،‬وإلا تكون‬
    ‫وهذا ما فعلناه‪ ،‬وما سوف نفعله إن احتجنا إلى‬
                                           ‫ذلك‪.‬‬                 ‫هذه المجموعة موجهة إلى نخبة من المثقفين‪.‬‬

               ‫القارئ المشارك في انتاج النص‪:‬‬             ‫التأويل السوسيو‪ -‬ثقافي‪ /‬السيمياء‬
  ‫يحتاج القارئ إلى بذل جهد ليؤول النص‪ ،‬و ُين ِطقه‬                ‫السوسيو‪ -‬ثقافية‬
   ‫بمعناه الخفي‪ ،‬فيشعر بمتعة مشاركة الشاعر في‬
 ‫الخلق‪ ،‬كما في ما م َّر بنا من نماذج‪ ،‬وكما في نماذج‬      ‫هذا إضافة الى أ َّن توظيف الكثير من هذه الأسماء‪/‬‬
                                                           ‫الرموز الشعري يحتاج إلى بذل جهد تأويلي لتب ُّين‬
    ‫كثيرة‪ ،‬منها‪ ،‬على سبيل المثال‪« :‬قصب الصمت‪:‬‬               ‫دلالته‪ ،‬كما في هذا المقطع‪« :‬لا قصيدة تومض‪/..‬‬
    ‫الغربة حزمة‪ /‬أحوك فيها من قصب الصمت‪/‬‬                  ‫بل أن َت‪ /‬من يقدح الشعر بص َّوانة يوسف ومخلب‬
 ‫سلال الكلام» (ص‪ .)٥٧‬تلفت هذه الكثافة اللغوية‬
    ‫المدهشة‪ ،‬الممثلة للغربة بصورة حسية متحركة‬                   ‫زليخة‪ /‬فتأتيك الحروف عارية (هيت لك)»‬
  ‫دالة على حالة الغربة‪ ،‬كما تلفت الصورة الملموسة‬            ‫(ص‪ .)١٣٢‬لغة هذا الكلام ليست لغة عادية‪ ،‬هي‬
  ‫المفاجئة والمدهشة المتمثلة في المقطع ال َاتي‪« :‬بعن ٍق‬     ‫لغة تحتاج إلى تأويل‪ ،‬والتأويل يحتاج إلى معرفة‬
‫أ ْعر ُض من شفرة المقصلة‪ /‬بف ٍم فاغ ٍر من المصيبة‪/‬‬        ‫بما يحيل إليه الكلام‪ :‬قصة يوسف وزليخا‪ ،‬ومقام‬
      ‫ولسان ممت ٍّد أمام الكائنات‪ /‬كامتداد السماء»‬         ‫قول‪« :‬هيت لك»‪ ،‬وتوظيف هذا كله في جعله يمثل‬
  ‫(ص‪ .)٥٠‬يشبه هذا اللسان الممتد هز ًءا وسخرية‪،‬‬
    ‫الإصبع الوسطى المرفوعة لل َاخر‪« :‬يبدو أني لم‬              ‫التجربة الحياتية الشعرية التي تملي القصيدة‪،‬‬
     ‫أتعلم من الحياة‪ /‬سوى أنني يو ًما ما‪ ،‬سأدفع‬                ‫وتجعل الأحرف تأتي عارية‪ ،‬ما يشكل فضاء‬
                                                          ‫الوصال‪ ،‬المفضي إلى الخلق الشعري‪ ،‬الذي لم يكن‬
       ‫الباب‪ /‬وأغادر راف ًعا إصبعي الوسطى‪ /‬لمن‬           ‫وم ًضا‪ ،‬وإنما َق ْدح ص َّوان امرأة عاشقة بمخلب نب ٍّي‬
‫ورائي‪ /..‬لمن أحبوني‪ /‬لمن كرهوني» (ص‪ .)٩٢‬هذا‬                  ‫رأى برهان ربه‪ .‬هل هذا الكلام لغة عادية؟ وفي‬
                                                             ‫مثال َاخر‪ ،‬نقرأ‪« :‬أقول لنوح‪ :‬لاذنب لك‪ /‬سوى‬
   ‫الكلام‪ /‬المجاز ُيترجم خطا ًبا مباش ًرا‪ ،‬في موض ٍع‬     ‫أنك‪ ،‬في فلكك‪ ،‬ربطت منقار ن َّقار الخشب» (ص‪.)٢٠‬‬
  ‫َاخر‪ ،‬من هذه المجموعة‪ ،‬كما في قول الشاعر‪« :‬طز‬           ‫هذا الكلام يحتاج‪ ،‬أي ًضا‪ ،‬إلى تأويل‪ ،‬وبغية حصول‬
   ‫بالحداثة وما بعدها‪ /‬طز بك ِّل قصيدة لم تضرب‬            ‫ذلك ينبغي أن نعرف قصة نوح وفلكه‪ ،‬وأن نتبيَّن‬
                                                          ‫مدلول الصورة الشعرية‪ ،‬وهو أ َّن ذنب نوح يتمثل‬
    ‫للإنسان موع ًدا‪ /‬أن يلتقي نفسه أو شيئًا منه»‬              ‫في أنه لم ي َدع نقار الخشب ينقر فلكه‪ ،‬فيثقبه‪،‬‬
                                     ‫(ص‪.)١١٤‬‬

              ‫الغموض ولغة الظاهر والباطن‪:‬‬
   ‫لكن هذه اللغة تغدو‪ ،‬في بعض النصوص‪ ،‬عصيَّة‬
‫على التأويل‪ ،‬كما في المثال الات َي‪« :‬في مبنى الأبجدية‬
   37   38   39   40   41   42   43   44   45   46   47