Page 43 - merit 47
P. 43

‫‪41‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

‫ثقافي التداولي لهذه الآيات أ َّن المشركين ع ُّدوا القر َان‬       ‫ضوضاء كبيرة‪ /‬في الطابق الثامن والعشرين‬
 ‫مرة سح ًرا ومرة شع ًرا‪ ،‬وع ُّدوا النبي كاهنًا ساح ًرا‬            ‫ينتصب ملقط حواجب امرأة جميلة‪ /..‬يهمس‬
 ‫وشاع ًرا‪ ،‬وكانوا يعتقدون بأ َّن شياطين الشعر هي‬              ‫بالمسافرين على متن قطار أعرج‪ /‬من منكم يجمع‬
                                                                ‫بي حبات المطر‪ /‬من جبين شاعر أو ُّد أن أكونه‬
   ‫التي تن ِّزل الشعر على الشعراء‪ ،‬ما يعني أنها هي‬                 ‫داخل القصيدة؟‪ /‬من قادر على أن يقدح من‬
‫‪-‬أي الشياطين‪ -‬تن ِّزل القر َان بوصفه‪ ،‬في اعتقادهم‪،‬‬            ‫سندان الغيب متصو ًفا َاخر‪ /‬أو ُّد أن أكونه خارج‬
 ‫شع ًرا‪ ،‬فجاءت هذه ال َايات لتميِّز القر َان من الشعر‪،‬‬            ‫القصيدة‪ /‬ولا يلوك كلامه الشعراء» (ص‪٢٣‬‬
                                                                ‫و‪ .)٢٤‬نتخيل مبنى تقيم فيه حروف الأبجدية‪،‬‬
    ‫بوصفه رسالة سماوية‪ ،‬مصدرها إلهي‪ ،‬وليس‬                   ‫ونتخيل أن ترتفع ضوضاء منه‪ ،‬ولكن كيف للتخ ُّيل‬
‫شياطين الشعر‪ ،‬يبلِّغها رسول مكلَّف من الله بنشر‬              ‫غير الغرائبي أن يتخيل الحرف الثامن والعشرين‪،‬‬
                                                            ‫وهو الياء‪ ،‬أن ينتصب «ملقط حواجب امرأة جميلة»‪،‬‬
  ‫دعوة دينية تطول مختلف جوانب الحياة‪ ،‬ولتميِّز‬                     ‫ويفعل ما تقول هذه اللغة أنه يفعله؟ ما يثير‬
             ‫أتباع النبي بأنهم ليسوا من الغاوين‪.‬‬            ‫السؤال‪ :‬هل نحن إزاء لغة أخرى ذات ظاهر وباطن‬
                                                                ‫مثل لغة المتصوف الذي يريد الشاعر أن يكونه‪،‬‬
     ‫إ َّن هذه آيات تدفع تهمة تتناول جوهر الدعوة‬
  ‫الدينية الإسلامية وهوية النبي ودوره‪ ،‬ولا علاقة‬                          ‫ويأتي بكلام َاخر لا يلوكه الشعراء؟‬
‫لها بالشعر الفن الجميل‪ ،‬وما يؤكد صحة هذا الفهم‬
                                                                        ‫القراَن والشعر‬
     ‫هو ذلك المسار من الشعر والشعراء‪ ،‬الممتد من‬
‫حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة‪ ،‬في زمن النبي‪،‬‬                ‫يأتي من الطابق الأول‪ ،‬في مبنى الأبجدية‪ ،‬أي من‬
                                                              ‫الألف‪« :‬من يدعي أنه يعمل على النص‪ /‬منذ بداية‬
                                  ‫إلى يومنا هذا‪.‬‬               ‫هذا التاريخ التافه‪ /‬كان ممكنًا له أن يخلق‪ /‬على‬
                                  ‫خطبة لبنان‪:‬‬               ‫الأقل‪ ،‬لمرة واحدة‪ /‬ن ًّصا كالقر َان‪ /‬يصيب الشعراء‬
    ‫يفضي أداء «السمكري» لمهمته إلى قيامة الوطن‬               ‫بالإخصاء» (ص‪ .)٢٤‬إن هذا القول‪ :‬القر َان يصيب‬
‫الجديد‪ ،‬ففي «خطبة لبنان لأبي ذر الغفاري»‪ ،‬يقول‪:‬‬               ‫الشعراء بالإخصاء متداول‪ ،‬ويحتاج إلى نقاش في‬
‫«أيتها البلاد التي لا ر َّب لها‪ /‬سوى عيون أطفالها‪/‬‬           ‫ضوء الواقع السوسيو‪ -‬ثقافي للآيات التي تحدثت‬
   ‫من أجل غفوتك الهادئة في سريرك‪ /‬سنحطمهم‬                    ‫عن الشعر والشعراء‪ ،‬وفي ضوء التداول الذي كان‬
‫يو ًما‪ /‬مثل هبل‪ /‬مثل اللات‪ ../‬ونقيم دينًا جدي ًدا‪/‬‬
                 ‫وطنًا جدي ًدا‪ /‬لعينيك» (ص‪.)١١١‬‬                  ‫يحدث آنذاك‪ ،‬ومنها‪« :‬هل أنبِّئكم على من تن َّزل‬
                                ‫الوطن الجديد‪:‬‬                 ‫الشياطين‪ .‬تن َّزل على ك ِّل أ َّفا ٍك أثيم‪ .‬يلقون السمع‪،‬‬
‫وهكذا ينتهي سعي الباحث عن هويته‪ ،‬وبعد أن يف َّض‬               ‫وأكثرهم كاذبون‪ .‬والشعراء يتَّبعهم الغاوون‪ .‬ألم‬
    ‫الح ُّب س َّر النب َّوة فيه‪ ،‬وينزع رداء الشيطان عنه‪،‬‬       ‫تر أنهم في كل واد يهيمون‪ .‬وأنهم يقولون ما لا‬
 ‫إلى قيامة الوطن الجديد‪ ،‬في بلاد لا سيِّد فيها سوى‬            ‫يفعلون إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا‬
 ‫عيون أطفالها الذين يخرجون من «المقبرة»‪ ،‬إلى فرح‬
‫العيش‪ ،‬المن َّقى هواؤه‪ ،‬وتشع بضحكاتهم آيات قادحي‬                ‫الله كثي ًرا»‪ .‬يفيد السياق التاريخي‪ ،‬السوسيو‪-‬‬
             ‫جبال الخيبة بمطارق الفاعلية والإنجاز‬
   38   39   40   41   42   43   44   45   46   47   48