Page 46 - merit 47
P. 46

‫العـدد ‪47‬‬   ‫‪44‬‬

                                                          ‫نوفمبر ‪٢٠٢2‬‬

  ‫هو نتيجة صور التمثل الداخلية‪ ،‬نتوقع من خلالها‬                ‫اللحظة الراهنة‪ ،‬وتفتح الأفق أمام العقل ليتخيل‬
  ‫أوضا ًعا واقعية معينة ونحاكيها ونكررها‪ ،‬دون أن‬          ‫وض ًعا أفضل وحياة جيدة‪ .‬وبحسب الكثير من علماء‬
 ‫نعيشها بالفعل أو دون أن نكون مضطرين لعيشها»‪.‬‬
                                                             ‫النفس الإيجابي‪ ،‬وخبراء تطوير الذات فإن الخيال‬
     ‫ويعتقد فونك أن التخيلات تحقق أهدا ًفا مختلفة‪،‬‬                      ‫يمكن أن يغير حياة الإنسان بالكامل‪.‬‬
  ‫حيث يمكن أن تستعمل للهروب من الواقع واللجوء‬
                                                          ‫وتستند فكرة قانون الجذب ‪ of Attraction Law‬على‬
     ‫إلى أحلام اليقظة ويمكنها أن تعوض الشريك إذا‬          ‫أن ما تتخيله يصبح واق ًعا‪ ،‬وأن ما تركز عليه في عقلك‬
     ‫كانت التخيلات الجنسية أو المساهمة في تكثيف‬
 ‫الإشباع الجنسي‪ ،‬كما أنها تمكن من معايشة الحرية‬              ‫وتمنحه من مشاعرك تجذبه إلى حياتك‪ .‬وحتى إذا‬
‫والتصالح والخلاص‪ ،‬إذا كانت ذات طبيعة دينية‪ .‬وقد‬             ‫لم تكن تصدق قانون الجذب‪ ،‬فإن قوة الخيال تبقى‬
  ‫تساعد على التقليل من العجز وتزيد في القوة الذاتية‬        ‫أم ًرا ملمو ًسا في حياة البشر‪ ،‬فلا يمكنك الوصول إلى‬
‫إذا عاش الفرد تهدي ًدا أو اضطها ًدا أو إدان ًة‪ .‬وقد تقلل‬  ‫هدف إذا لم ترده وتتخيله أو ًل‪ ،‬يقول والت ديزني إنه‬
 ‫من وطأة ممارسة العنف في الواقع‪ .‬وعلى الرغم من‬             ‫لو لم ير ديزني لاند في خياله لما أصبحت حقيقة على‬
‫أن التخيلات لا تكون دائ ًما مفيدة‪ ،‬بل قد تكون هدامة‬        ‫الأرض‪ ،‬ويقول أي ًضا‪« :‬إن تمكنت من الحلم بشيء‪..‬‬
   ‫أو مليئة بالخيال القسري‪ ،‬فإنها تمثل مبدئيًّا قدرة‬
                                                                                       ‫يمكنك أن تقوم به»‪.‬‬
                             ‫إنسانية مهمة للغاية‪.‬‬             ‫وفيما يتعلق بالخيال عند «إنسان ما بعد الحداثة»‬
      ‫ويرى فونك أنه بدون صور خيالية داخلية‪ ،‬لن‬                ‫يذهب راينر فونك ‪ )..-1943( Rainer Funk‬في‬
     ‫يكون هناك فن ولا أدب ولا شعر ولا أفلام ولا‬            ‫كتابه «الأنا والنحن‪ :‬التحليل النفسي لإنسان ما بعد‬
      ‫علم ولا رؤى ولا اكتشافات ولا يوتوبيات ولا‬              ‫الحداثة» الصادر عام ‪ ،2005‬الذي يعتبر بشهادة‬
    ‫أمل‪ .‬ذلك أن القدرة على التخيل هي قدرة إنسانية‬             ‫العديد من الباحثين والمتخصصين المعاصرين‪ ،‬في‬
 ‫أساسية‪ ،‬تشبه القدرة على التفكير وعلى وعي الذات‪.‬‬               ‫كونه أول محاولة علمية جادة استطاعت وصف‬
     ‫ثم تطرق في نهاية المطاف إلى ضياع القدرة على‬            ‫إنسان ما بعد الحداثة في شموليته‪ ،‬وتحليل الأسس‬
 ‫التخيل عند الإنسان المعاصر بسبب سطوة وسيطرة‬
 ‫الوسائل التكنولوجية المتقدمة على كل مفاصل الحياة‬              ‫النفسية والاجتماعية التي تحدد هويته‪ ،‬وإزاحة‬
     ‫الإنسانية‪ ،‬وفي هذا الصدد يقول فونك‪ :‬يمكن أن‬                  ‫الغطاء على الثقافة المابعد حداثية في تجلياتها‬
  ‫تضيع القدرة على التخيل‪ ،‬عندما لا ُتمارس‪ .‬كما أن‬
   ‫التصور المُق َّدم أي المقترح (المفروض) بالقوة يقود‬          ‫الاقتصادية‪ ،‬بدراسة الجذور الأيديولوجية لهذه‬
 ‫إلى تقلص القدرة على التخيل‪ ،‬ذلك‬                          ‫الثقافة وشرح أخطر ما توصل إليه إنسان زماننا من‬
‫أن سرعة تتابع الصور تعيق صور‬                               ‫استلاب وتغريب‪ ،‬عن ذاته وعن الآخرين‪ ،‬فيقول‪« :‬لا‬
  ‫الخيال‪ ،‬بل ُتعوضها‪ .‬وعلى الرغم‬                           ‫تتحول القدرة الذاتية أو الكفاءة الخاصة إلى خاصية‬
 ‫من كل تعويض‪ ،‬لا تمارس القدرة‬
‫على التخيل إلا بقدر قليل ج ًّدا وتفقد‬                                              ‫ذاتية أو ملك ذاتي إلا عن‬
  ‫قوتها وأرضيتها (أساسها)‪ .‬وفي‬                                                    ‫طريق ممارستها‪ ،‬وبالتالي‬
    ‫الوقت نفسه يزيد غياب التخيل‬                                                 ‫فإن التمرين وحده هو الذي‬
    ‫بطريقة تصبح فيها القدرة على‬                                                  ‫يحافظ على قدرة معينة من‬
  ‫التخيل محددة وتابعة أكثر فأكثر‬                                              ‫القدرات الإنسانية‪ .‬إن الذي لم‬
                                                                              ‫يعد يمارس قدرته على التخيل‪،‬‬
          ‫للصور الخيالية المقدمة‪.‬‬                                             ‫يصبح دون تخيل ويكون عليه‬
  ‫ويعتقد فونك أن الصور الخيالية‬                                                   ‫تعويض عجزه على التخيل‬
   ‫والخيال تنتمي بالفعل وبقوة إلى‬                                                 ‫ونقص الصور والتمثلات‬
 ‫حياتنا اليومية‪ ،‬بحيث إنه لا يمكن‬                                                 ‫الداخلية عن طريق تقنيات‬
                                                                                  ‫إنتاج التخيل أو عن طريق‬
                                                                                 ‫استهلاك الصور الخارجية‬

                                                                                    ‫الخيالية‪ .‬ذلك أن التخيل‬
   41   42   43   44   45   46   47   48   49   50   51