Page 47 - merit 47
P. 47
45 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
هربرت ماركيوز راينر فونيك التفكير في أي حياة ولا في أي تنظيم بدونها .حتى
وإن لم تكن هناك أي حياة خالية من الخيال ،بل حياة
هو القيمة العقلية الوحيدة التي لا تزال إلى حد بعيد
تحتفظ ببراءتها الأولى ،وتحتفظ بحريتها واستقلالها لم يعد المرء فيها ينتج أفكاره الخاصة ،وبالمقارنة
تجاه مبدأ الواقع .حيث يعيد التخيل التوازن المفقود مع تطور المنجزات البشرية ،لم يعد للإنسان أي
بين منطق السيطرة ومنطق الارتواء ،أو بين لوغوس تفكير خاص ،بل يستهلك فقط ما ُيعرض أمامه .ولا
وإيروس ،والتخيل من وجهة نظر مبدأ الواقع ليس يوجد التخيل الذاتي إذن إلا كتخيل مكتسب وكصور
ناف ًعا وغير حقيقي ،إنه مجرد لعب ،حلم يقظة. مقتبسة من الخيالات المقترحة.
ومن حيث هو كذلك ،فإنه يداوم الحديث بلغة مبدأ ويختتم فونك حديثه ،فيقول« :تكمن نتيجة فقدان
الخيال بسبب إمكانيات مشاهدة الصور في ارتفاع
السعادة ،بلغة الحرية مقابل القمع ،ولغة الرغبة الملل .فعندما لا ُيمارس النشاط العقلي الداخلي الذاتي-
والارتواء غير المحبط .في حين أن الواقع يسير وفق الخاص و ُيعوض بما ُيقدم للمرء من صور ،فإن المرء
يكون في حاجة إلى مؤثرات وتنشيط خارجية ،لتجاوز
قوانين العقل ،ولا علاقة له مطل ًقا بلغة الحلم.
ويعتقد ماركيوز أن الخيال كعملية عقلية مستقلة إنما الموت والملل».
أما ماركيوز )1979 -1898( Herbert Marcuse
يتمتع بقدرة عالية على تحقيق ضرب من الانسجام
والتوحد ،وخلق عالم مثالي حر يتجاوز الواقع فيؤمن بأن للخيال قدرة على التحرر من سيطرة
الواقع ،حيث تحتل مقولة الخيال أهمية بالغة في
الإنساني المتناحر ،فالتخيل يستهدف إعادة التوافق نظرية ماركيوز النقدية ،فهي لا تشغل في نظريته
بين الفرد والكل ،وبين الرغبة وتحقيقها ،بين السعادة النقدية دو ًرا معرفيًّا فحسب ،بل دو ًرا سياسيًّا.
والعقل .وبينما يتحول هذا التناغم إلى مجال اليوتوبيا فالخيال يكتسب لدى ماركيوز أهمية خاصة من حيث
إنه يأخذ بأيدينا خارج حدود الواقع القائم ،ويمثل
بفعل مبدأ الواقع القائم ،فإن التخيل يلح على أنه رمز المنطقة المح َّصنة المحرمة التي لم يستطيع مبدأ
ينبغي ويمكن أن يتحول إلى واقع.
الواقع انتهاك حرماتها.
ولا يكتفي ماركيوز بإظهار الدور الخلاق للخيال في ويؤكد ماركيوز على أن هناك صلة وثيقة بين الفلسفة
قدرته على تصور عالم مثالي متكامل ،بل يلح أي ًضا
والخيال ،ولقد أشار الفلاسفة السابقون -أرسطو،
على ضرورة أن يدخل الخيال إلى قلب الممارسة كانط -إلى أهمية التخيل في تجاوز الهوة بين الواقع
القائم والواقع العقلاني ،فبدون الخيال تظل كل
المعرفة الفلسفية في قبضة الحاضر أو الماضي ،وتكون
مقطوعة الصلة بالمستقبل الذي هو الرابطة الوحيدة
بين الفلسفة والتاريخ الحقيقي للنوع البشري.
ويرى ماركيوز أن المجتمع الصناعي المتقدم قد ضيَّق
النطاق الفني للخيال ،وسمح بنشاط الخيال العلمي
والتقني الذي يعمل داخل إطار الإنتاج العلمي والتقني
والذي يمكن أن يحقق مزي ًدا من التقدم الاجتماعي
والحضاري ،لكن الأمر الذي يؤكد عليه ماركيوز هو
ضرورة رد الاعتبار للخيال لما له من أهمية قصوى
في تحرير الإنسان والخروج به من مأزق الوضع
القائم من خلال إمكانية استدعاء الصور وتوجيهها
نحو ما يمكن أن يسهم في تغيير الواقع الاجتماعي.
ووف ًقا للنظرية الفرويدية ،يؤمن ماركيوز بأن الخيال