Page 44 - merit 47
P. 44

‫العـدد ‪47‬‬                                           ‫‪42‬‬

                                                      ‫نوفمبر ‪٢٠٢2‬‬

‫د‪.‬حسام الدين فياض*‬

‫(سوريا)‬

‫أصفاد التكنولوجيا‪..‬‬

‫الخيال عند إنسان‬

‫ما بعد الحداثة‬

‫لا بد لنا من القول إن الإنسان ذو البعد الواحد هو نتاج المجتمع‬
‫المعاصر‪ ،‬وهو نفسه مجتمع ذو بعد واحد يسيطر عليه العقل الأداتي‬
‫والعقلانية التكنولوجية والواحدية المادية‪ ،‬وشعاره بسيط هو التقدم‬
‫العلمي والصناعي والمادي وتعظيم الإنتاجية المادية وتحقيق معدلات‬
‫متزايدة من الوفرة والرفاهية والاستهلاك‪ ،‬بحيث تهيمن على هذا‬
‫المجتمع الفلسفة الوضعية التي تطبق معايير العلوم الطبيعية على‬
‫الإنسان‪ ،‬وتدرك الواقع من خلال نماذج (كمية‪ -‬رياضية) وتظهر فيه‬
‫مؤسسات إدارية ضخمة تغزو الفرد وتحتويه وتر ِّشده وتنمطه وتشيئه‬
‫وتوظفه لتحقيق الأهداف التي حددتها‪.‬‬

‫في الوسائل التكنولوجية‪ ،‬وبالأخص وسائل الاتصال‬            ‫ما بعد الحداثيون ُخطى ماركس النقدية‪،‬‬              ‫يتبع‬
   ‫ومواقع التواصل الاجتماعي المعتمدة على الأجهزة‬            ‫ويزعمون أنهم يتمتعون بإدراك مميز‬
     ‫الإلكترونية التي أطلق عليها الفيلسوف والكاتب‬
   ‫الكندي مارشال ماكلوهان ‪Marshall McLuhan‬‬             ‫للحالة الفذة المسيطرة على المجتمع المعاصر‪،‬‬
                                                          ‫الواقع في َأ ْس ِر ما يطلِقون عليه «الوضع‬
 ‫(‪ )1980 -1911‬في ستينيات القرن العشرين «القرية‬              ‫ما بعد الحداثي»‪ .‬من ثم‪ ،‬لا يدعم بعد‬
                                   ‫الإلكترونية»‪.‬‬           ‫الحداثيين ببساطة المذاهب الجمالية‪ ،‬أو‬

‫من هذا المنطلق سنحاول التعرض إلى أهمية الخيال في‬      ‫الحركات الطليعية مثل التبسيطية أو التصورية (التي‬
‫حياة الإنسان خاص ًة في عصر التطورات التكنولوجية‬          ‫انبثقت عنها أعمال مثل التكوين الطوبي الذي قدمه‬
                                                         ‫أندريه)‪ ،‬بل لديهم طريقة مميزة لرؤية العالم ككل‪،‬‬
  ‫الهائلة‪ ،‬عصر تدفق المعلومات والصور والإيحاءات‪،‬‬        ‫ويستخدمون مجموعة من الأفكار الفلسفية التي لا‬
‫التي أصبح لها قدرة تأثيرية واضحة المعالم على عقل‬        ‫تكتفي بدعم الحالة الجمالية لـ»ما بعد الحداثة»‪ ،‬بل‬
                                                          ‫تحلل أي ًضا الحالة الثقافية لـ»ما بعد الحداثة» في‬
  ‫وفكر الإنسان وممارسات حياته اليومية من خلال‬
   ‫إعادة إنتاج تصوراته وآرائه وقناعاته حول كل ما‬      ‫عصر الرأسمالية المتأخرة‪ .‬من المفترض أن هذه الحالة‬
 ‫يدور في الواقع الاجتماعي (المعنوي والمادي)‪ .‬وذلك‬        ‫تؤثر فينا جمي ًعا‪ ،‬لا عبر الفن الطليعي فحسب‪ ،‬بل‬
  ‫بالاستناد إلى آراء الفيلسوف الألماني المعاصر راينر‬
 ‫فونك من خلال كتابه «الأنا والنحن‪ :‬التحليل النفسي‬      ‫على مستوى أكثر جذرية عبر تأثير ذلك النمو الهائل‬
   39   40   41   42   43   44   45   46   47   48   49