Page 91 - merit 47
P. 91
89 إبداع ومبدعون
قصــة
بإحدى المقاهي التي تطل على البحر ،وبينما نحن
جالسين قال مهلو ًسا:
« -تخيلي يا سيدتي ،أن هذه الفنانة طلال قد
أخضعتني لها ،خشيت أن أقول لولا اللعنة أني
عبدتها لجمال رسمها ،ذات يوم تناولنا الطعام
معا ،كان شهيًّا للغاية بحضورها! تبادلنا أطراف
الحديث عن فن الرسم ،وغرقنا م ًعا في نظرات الحب
والإعجاب ،ثم ما لبثنا أن اقتربنا من بعضنا البعض
حتى التقت شفاهنا ،وسقطنا م ًعا في دوامة الحب
والفن».
أما أنا وفي الجهة المقابلة كطرف أسمع حكايته هذه
فقد كنت أدور في دوامة الغرابة ،كون أن الرسامة
كبيرة في السن كثي ًرا ،فض ًل على أنها ميتة منذ زمن
بعيد ،وهو كاتب لم يتجاوز بعد سن الثلاثين ،أي أنه
لا زال صغي ًرا! بدا الانبهار على تقاسيم وجهي ،فلم
يلبث أن ابتسم نصف ابتسامة كي يكسر هذا الجو
المشحون ،فأنا كنت قد أخذت عنه انطبا ًعا ساف ًل
غريز ًّيا ،ولكنه بدد هذا الانطباع حينما أردف مكم ًل:
« -هذه القصة ليست حقيقية بالطبع ،لقد عشتها
اليوم خلال لحظة تأملي في لوحة طلال ،انتبه إلى أن
حاجبي الأيسر قد ارتفع قلي ًل عن الأيمن ،دلي ًل على
أن غرابتي بدأت تكبر شيئًا فشيئًا».
أكمل متوت ًرا:
« -أظنك لم تقرئي يو ًما أعمالي ،صديقي أخبرني
بذلك ،لكونك منشغلة أكثر بإدارة الشركة ،وأوصاني
بك».
« -صحيح ،فأنا لا أعرفك حق المعرفة ،ولكني على
ثقة في صلاح صديقي».
« -أنا كاتب بدأت مع الخيال ،ويبدو أني سوف
أنتهي معه ،ولو على شفة الجنون ،لي خيال شاسع
في التعامل مع الحياة ،الرسامة طلال عشقتها كثي ًرا
في طفولتي ،ولم تتح لي فرصة اللقاء بها ،ولكن
الخيال أفسح لي المجال لذلك ،لن تصدقيني طب ًعا!».
« -الخيال هو السبب الوحيد في كوني على قيد
الحياة اليوم».
قلت:
« -كيف ذلك؟».
« -تلك قصة أخرى».