Page 92 - merit 47
P. 92

‫العـدد ‪47‬‬                           ‫‪90‬‬

                                                               ‫نوفمبر ‪٢٠٢2‬‬

‫لحسن وحي‬

‫(المغرب)‬

‫حلم تلبس اليقظة‬

  ‫تقدس جل المقامر المُسلمة‪ ،‬هذا إذا كنتم تتوفرون‬       ‫صبيحة يوم الأحد‪ ،‬قبيل العاشرة ببعض دقائق‪،‬‬
  ‫على منزل‪ ،‬والق بجسدك هناك‪ ،‬تأكد‪ ،‬أن جسدك‬               ‫بمقهى «البومة» جنوب شرق المغرب بزاكورة‬
  ‫سيصبح موضوع النقاد وبعض النقاد بطبيعتهم‬
 ‫سيكتبون فضفضه تعكس ألم الإبهام الذي أصبح‬             ‫‪-‬تلك المدينة التي لا يتم ذكرها على شاشة التلفاز‬
‫في عداد الموجودين‪ ..‬تريد أن تكون كاتبًا أو تمارس‬     ‫المغربي‪ ،‬إلا في حالة الطقس أيام الصيف الحارقة‪-‬‬
‫فعل الكتابة! اصعد إلى ذاتك‪ ،‬هذا إذا كنت ذا ًتا حرة‬
  ‫بين الذوات‪ ،‬ار ِم بذاتك عند الهامش‪ ،‬عند المهمش‪،‬‬         ‫نشب جدال بين كاتبة وناقد‪ ،‬الكاتبة يلقبونها‬
 ‫عند الفارغ‪ ،‬عند الوسط‪ ..‬كن متأك ًدا أنك ستصبح‬         ‫بـ»الإبراهيمية»‪ ،‬وهي في العشرينات من عمرها‪،‬‬
   ‫كاتبًا مهوو ًسا بالهوس الفطري‪ ..‬نصك‪ /‬كتابك‬
 ‫سيصبح حديث النقاد‪ ،‬وبعض النقاد بطبيعتهم لن‬                ‫أما الناقد فيطلقون عليه اسم «الإسماعيلي»‪،‬‬
   ‫يهتموا إلا بصورة الغلاف‪ ،‬والعنوان‪ ،‬والأخطاء‬          ‫وهو في الأربعينات من عمره‪ ..‬وأنا على كرسي‬
   ‫الإملائية‪ ،‬والنحوية‪ ،‬واللغوية‪ ،‬التي ارتكبتها عن‬     ‫خشبي‪ ،‬سمائي اللون‪ ،‬بمقهى «البومة»‪ ،‬في يدي‬
 ‫غفلة‪ ،‬عن وعي دون قصد‪ ..‬هي الأخرى موضوع‬             ‫اليسرى كأس شاي صحراوي أمازيغي‪ ،‬تم إعداده‬
   ‫نقاش في الخفاء‪ ،‬بين أصدقائك الذين لا يودون‬            ‫بكل إتقان‪ ،‬وعلى يدي اليمنى جريدة إلكترونية‬
   ‫إزعاجك بمواجهتك بالحقيقة‪ ،‬لأنهم مستعمرون‬              ‫تحمل عنوان‪ :‬هنا يرقد شيطان الكتابة‪ ..‬بدأت‬
‫عاطفيًّا ووجدانيًّا تجاهك‪ ..‬لا أحد يستطيع الوقوف‬    ‫«الإبراهيمية» مخاطبة الناقد «الإسماعيلي» وهي على‬
                                                      ‫كرسي خشبي أبيض‪ ،‬وساقيها يلامسان أرضية‬
      ‫داخل ماهية نصك‪ /‬كتابك‪ /‬ذاتك‪ ..‬إلا الذين‬           ‫المقهى‪ ،‬وهما عن غنى من ملامسة الطاولة التي‬
     ‫يعرفون طريقة اشتغالك‪ ،‬طريقة خروجك من‬                ‫تحتفي بكأسين من قهوة‪ ،‬وحليب‪ ،‬وقنينة ماء‬
     ‫نصك‪ ،‬بل وطريقة صعودك إلى ذاتك أو سطح‬
  ‫منزلكم‪ ،‬طريقة انفلات نصك بين يديك‪ ..‬لا تريد‬                ‫فارغة تحركها أيادي «الإسماعيلي»‪ ،‬قائلة‪:‬‬
   ‫أن تكون عنص ًرا من آلة‪ ،‬كن كاتبًا خارج مقبرة‬      ‫‪ -‬تريد أن تكتب؟ أو تريد أن تكون كاتبًا مرمو ًقا؟‬
   ‫السجل‪ ،‬أو على الأقل تسلق ‪-‬وفي حوزتك الزاد‬          ‫اصعد إلى سطح منزلكم‪ ،‬وحين أقول لك السطح‪،‬‬
‫الكافي لرحلة شاقة متعبة طويلة‪ -‬برج جدك الأول‪،‬‬
                                                          ‫أجزم ولو بمعرفتي اليومية القليلة‪ ،‬أنه داخل‬
                                                         ‫منزلكم وفي الطبقات السفلى والوسطى أصنام‬
                                                         ‫ثابتة‪ ،‬بل خوفي عليك من أن يلقوا هم بك فوق‬
                                                     ‫السطح‪ ،‬فأنت لست الكاتب المناسب لأصنام عائلية‬
   87   88   89   90   91   92   93   94   95   96   97