Page 93 - merit 47
P. 93

‫‪91‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

     ‫أن تكوني ناقدة! زوري مقابر أجدادك مرة في‬         ‫الذي سمعت وقرأت عنه‪ ،‬دون أن تدركه تاريخيًّا‪،‬‬
   ‫الأسبوع‪ ،‬حتى وإن كانت المقابر بعيدة المسافات‬         ‫حطمه بد ًءا بالأعلى‪ ،‬ولا تنتظر أن يصل تحطيمك‬

     ‫عن منزلكم‪ ،‬خو ًفا من الأموات الأحياء‪ ..‬قدمي‬            ‫الساس‪ ،‬فالباب أص ًل موصود بإحكام‪ ،‬باب‬
  ‫ألوف البدائل بدل بديل واحد‪ ..‬اقبضي على ذاتية‬         ‫البرج‪ ،‬باب الروح الميتافيزيقية التي تسكن ساس‬
  ‫الكاتب‪ ،‬لتفهمي موضوعتيه‪ ،‬أو على الأقل اربطي‬          ‫السجل‪ ..‬قبل هذا كله‪ ،‬عليك أن تكون لك بوصلة‪،‬‬
  ‫نصه بزمكانيته‪ ،‬كي يطيع مولودك‪ /‬نقدك طريق‬
 ‫القطيع‪ ..‬لكن احذري وتريثي‪ ،‬فطريق نقدك ليست‬              ‫لكن للأسف أجدادك لا يمتلكون الخبرة الكافية‬
                                                       ‫لصناعة البوصلة‪ ،‬والحل أن تصنع بوصلتك بكل‬
    ‫معبدة‪ ،‬فقد تشتبكين مع مولود ِك الذي أتى من‬       ‫حذر وتريث‪ ..‬اتخذ لنفسك تخص ًصا يحترمك ذاتيًّا‪،‬‬
     ‫المولود الأول الذي لا أصل له‪ ،‬فقد أباه وأمه‪..‬‬     ‫وتحترمه موضوعيًّا‪ ،‬على ألا يكون خطابك مخيبًا‬
 ‫أتريدين أن تصبحي ناقدة؟ حرري ذات ِك من أوثان‬        ‫للآمال‪ ..‬ولا تنس أن تدفن كل ما قيل لك قبل هذا‪..‬‬
 ‫الجامعة كي تخرجي من دهشة‪ /‬تأمل خصمك أو‬                ‫وأعد النظر في السجل‪ ،‬حين سقط منك أو سقطت‬
 ‫مناصرك‪ ..‬أتريدين أن تكوني ناقدة؟ أعيدي قراءة‬        ‫منه‪ ،‬واخفض جناح الكتابة حتى يصلك ريح الغرب‬
‫النصوص دون الحماسة المتدفقة‪ ،‬فالإعادة ‪-‬وليس‬             ‫والغروب كي يحركه‪ ..‬فوق هذا وذاك‪ ،‬صالِح ما‬
‫دائ ًما‪ -‬تدفعنا إلى اكتشاف المضمر المجهول‪ ،‬أو ُتزج‬     ‫يمكن أن تصالحه حين يتساوى جسدك‪ ،‬ونصك‪،‬‬
  ‫بنا في متاهات غامضة لا متناهية‪ ..‬وأن ِت أي ًضا لا‬  ‫وما قيل عنهما‪ ،‬وما تراكم في السجل‪ ،‬كن كال َف َراش‬
  ‫تنس ْي أن تأخذي في اعتبارك جميع الظروف التي‬         ‫في تذوقك مضمون ساس السجل‪ ..‬ولسان «خوان‬
 ‫تحيط بمولدك‪ ،‬المتولد محل النقد‪ .‬فالنقد الذي يبدأ‬      ‫غوتيسولو» الفيلسوف الزائر لمراكش‪ ،‬يقول‪« :‬لن‬
    ‫من ذاته‪ ،‬يصل في نهاية الأمر إلى بديل مقبول‪،‬‬      ‫نتمكن من رؤية الأشياء بوضوح‪ ،‬إلا إذا تخلينا عن‬
‫وإلى تأويل يمكن التواضع عليه‪ ..‬لا تكوني كالمعول‬      ‫الفكرة الكلاسيكية الرائجة عن الالتزام‪ ،‬بأنه التزام‬
     ‫الذي يخشى الأرض أكثر من خشيته الأيادي‬           ‫المبدع تجاه القوى التي تجسد الدينامية الاجتماعية‬
   ‫التي تقبضه وتشتغل به‪ ..‬احذري من النصوص‬
 ‫الحربائية التي تتربص بكل شيء ماعدا الحقيقة‪/‬‬                ‫لمجتمعه أو لزمانه‪ ،‬واستعضنا عنها بتصور‬
     ‫الصواب‪ُ ..‬كوني كأنثى الأرنب في حملها لا في‬           ‫للالتزام بربط المبدع هذه المرة بالجذع المورق‬
‫سرعتها حين تقدمين البدائل‪ ،‬بل واحرصي على ألا‬         ‫والمتشابك لشجرة الأدب التي ينحدر منه»‪ ..‬لكن يا‬
‫يكون نقد ِك أشبه بالشرغوف (أبو ُذنيبة)‪ ..‬ولسان‬        ‫عزيزي ماذا لو لم أكن‪ ،‬ولم تكن النصوص منسية‬
                                                          ‫وميتة بالنسبة لي‪ ،‬فبماذا ستشتغل وتنشغل؟‬
              ‫الشاعر «عمرو بن معديكرب» يقول‪:‬‬               ‫فور سماع «الإسماعيلي» هذا‪ ،‬فر هاربا نحو‬
                       ‫إذا لم تستطع شيئًا فدعه‬        ‫الجامعة ‪ -‬الجامعة التي من المفروض أن تكون في‬
                         ‫وجاوزه إلى ما تستطيع‬        ‫تازاكورت‪ -‬لإعادة ترتيب أوراقه‪ ،‬فوجدها موصدة‬
                                                        ‫الأبواب‪ ،‬والنوافذ‪ ،‬فلم يطرق الباب‪ ،‬ولم يفكر في‬
‫لكن يا عزيزتي ماذا لو لم أُو َجد؟ ستموتين مرتين‪،‬‬      ‫ذلك‪ ،‬بل هرول ثانية إلى سطح منزلهم‪ ،‬كي يحذف‬
   ‫ولن تجددي الصلة بين ذاتك‪ ..‬إني أفقد الذاكرة‬
     ‫بغير إرادتي كي أبث نسيم الحياة في جسد ِك‪.‬‬                                         ‫تدوينته هاته‪:‬‬
                                                       ‫‪ -‬أتريدين أن تكوني ناقدة؟ عليك أن تشتري من‬
 ‫َدفع اللص باب الغرفة دفعة واحدة‪ ..‬استيقظت ثم‬          ‫الميزان توازنه‪ ،‬وتأخذي من الطبيعة قسوتها‪ ،‬من‬
  ‫استنجدت‪ ..‬إنها العجوز الشمطاء‪ ،‬صاحبة المنزل‬
  ‫المكري‪ ،‬تريد ثمن إقامتي بغرفتها الخانقة‪ ،‬بدرب‬          ‫الفولاذ صلابته‪ ،‬من الخواء شموليته‪ ،‬من لقب ِك‬
                                                      ‫رمزيته‪ ،‬حتى وإن كان سي ُرك غير محبب بالنسبة‬
    ‫البوهالي الواقع بمدينة مراكش‪ ..‬سلسلة رموز‬
   ‫مشفرة تستدعي معجم رمزي‪ ..‬إنه الحلم‪ ..‬حلم‬             ‫لأولئك الذي يفضلون البقاء في الظلام والإذعان‬
‫من أحلام البدوي‪ ،‬التي لا تحترم المسافات وواقعية‬      ‫لأساتذتهم المخلصين‪ ،‬لأولئك الذين يريدون سماع‬

                                        ‫الأمكنة‪.‬‬         ‫صوت البطة بدل البومة‪ ،‬لأولئك الذين ُيرهبهم‬
                                                       ‫النقد‪ /‬النقض كما ترهب النار العقارب‪ ..‬تريدين‬
   88   89   90   91   92   93   94   95   96   97   98