Page 151 - merit 45
P. 151
149 تجديد الخطاب
الشيخ ماء العينين الشيخ سيدي بابه أحمد البكاي بشكل عملي ،عبر قراءات واسعة،
مهدت له الطريق لإنجاز بحوث
ولم يكن كوبولاني يثق بما يطفو -لما يتوفر عليه شيوخ الزوايا عن الطرق الصوفية ،أثمرت بحثًا
على السطح من خلافات شكلية من قوة الرأي خصوصا إذا ما نشر في سنة 1893وفيه نبذة
استمدوا قراراتهم من قدسية عن الطريقة الصوفية العمارية
بين بعض أقطاب الطرق الصوفية، القرآن الكريم ،وأحاديث الرسول التي كانت سائدة في منطقة الواد،
لأنه كان يدرك أن هناك وحدة صلى الله عليه وسلم -أو إقامة كما اشترك مع الباحث ديبون في
العقيدة التي يمكنها أن تزيل علاقات قوية دون الحاجة لإضاعة كتابة دراسة معمقة عن «الطرق
كل الخلافات متى دعا الأمر المال ،والعتاد ،والوقت ،والرجال،
لذلك ،لذلك سعى إلى الاتصال والتمكن من التغلغل في موريتانيا الدينية المسلمة» نشرت سنة
بأقل النفقات ،ودون خلق أزمات 1898م ،وفي سنة 1901م ،وفي
بالمشايخ أصحاب الطرق الصوفية ديبلوماسية( ،)26كما أنه باستطاعة إطار مهمة قادته إلى السودان
ومحاولة كسبهم عن طريق هؤلاء المشايخ تعبيد الطريق أمام الغربي ،قدم كبولاني «مشروع
الإقناع والإغراء( ،)28ومنحهم فرنسا لإقامة علاقات سياسية فرض السلم» في منطقة المغاربة
وتجارية مع السودان الشرقي «البيضان» ،فقد كان على دراية
مجموعة من الامتيازات كالإعفاء بأحوال المسلمين في موريتانيا من
من الخدمة العسكرية ،والتكتم والغربي( ،)27وإشهار الأفكار خلال إتقانه اللُّغة العربية وا ِّطلاعه
على بعض مخالفاتهم المتمثلة والأيديولوجيات الاستعمارية على العادات والتَّقاليد الإسلامية،
في تهريب السلاح ،والمساعدة وإلباسها لباس الدين .وبالفعل
في تسديد الديون ،ومنح هبات نجح كوبولاني في مسعاه ،وأبان ويمكننا القول إن كبولاني
عن عمق نظره ،واتساع فقهه هو أ َّول( )24من م َّهد لل َّسيطرة
لبعض الزوايا ،وتوظيف بعضهم وفهمه للإسلام ،فأصبح بالفعل الفرنسية على القبائل الموريتانية
لصالح المستعمر( ،)29وهكذا نجد بفضل تعامله معهم ،بل مهد أي ًضا
أن كوبولاني استطاع أن يتعامل منظ ًرا لسلطة الفرنسيين في للاحتلال الفرنسي لموريتانيا،
مع المواطنين وفق ما خططه في المنطقة. قبل أن يغتال سنة 1905م قبل
كتابه مع الباحث ديبون فأبان لهم اكتمال مشروعه الاستعماري
عن خلق قويم وسلوك إسلامي لموريتانيا ،هذا الداهية نبه أسياده
إلى أن أكبر خطأ يمكن أن يرتكبه
الفرنسيون هو الاستهانة بالطرق
الصوفية ،أو مواجهتها بالقوة،
لأن ذلك لن يزيدها إلا تأج ًجا
وصلابة ،بل إنه من الحكمة
التقرب من المشايخ ومعاملتهم
باللين حتى يتم وضع اليد على
الزوايا بشكل مرن وسلس ،وأكثر
من ذلك يمكن استغلال هذه
الطرق في خدمة مصالح فرنسا
وتحقيق أهدافها وذلك لمكانة
أقطاب هذه الطرق بين الأتباع
ولنفوذهم الروحى عليها( )25مما
يسهل احتلال مستعمرات أخرى