Page 8 - merit 45
P. 8
العـدد 45 6
سبتمبر ٢٠٢2
الطاعة الكاملة ،سواء في كتاباته المبكرة عن التطبيق المفترض لدولة الحاكمية :هل سيسمح
التعليم أو العدل الاجتماعي ،حتى وصوله إلى سيد قطب لمن يشاء الارتداد أن يرتد؟!
وضع نظريته في الحكم الإسلامي. المشكلة –في ظني -أن نظرية سيد قطب عن
السمة الثانية أنه كان ممرو ًرا غاضبًا كار ًها الحاكمية أُنتجت بتأثير علاقته هو شخصيًّا
حيث يعتقد أنه مغبون ،فمكانه الأصلي أن يقود –وعلاقة جماعة الإخوان المسلمين بالطبع-
ليطبق مفاهيمه بنفسه التي يقتنع تما ًما أنها بالناصرية التي كانت تجتهد لتطبيق قواعد
الصواب المطلق ،لدرجة أنه رفض أن يكون
وكي ًل لوزارة التعليم بعد الثورة لأنه أراد أن للعدالة الاجتماعية وتقريب الفوارق بين
يكون الوزير ،المسئول الأول المتحكم الآمر الطبقات ،المطلب الذي ظل سيد قطب نفسه
الناهي .وهذه ستقودنا إلى السمة الثالثة في بناء
شخصيته ،وهي الانتقال الفجائي من النقيض ينادي به عشر سنوات ،كما استحدثت
إلى النقيض :من الدفاع عن العقاد بقوة ضد كل مؤسسات تخدم «الإسلام» كدين من وجهة
خصومه إلى الهجوم عليه ،من الانضمام إلى نظرها ،مثل التوسع في إنشاء المعاهد ،وإدخال
حزب السعديين ومدح قادته شع ًرا إلى الخروج العلوم المدنية في جامعة الأزهر ،وإنشاء إذاعة
القرآن الكريم ،ومدينة البعوث الإسلامية..
عليه وذمهم ،من مدح قادة (حركة) يوليو إلخ ،أراد سيد قطب أن يهدم هذه الخطوات
1952باعتبارهم يجسدون فكرته عن الحاكم «الإيجابية» من وجهة نظر المتدينين ويقول
العادل إلى الخروج عليهم وتكفيرهم ،بل وقيادة إنها بلا قيمة ما دامت لم تصدر عن حكومة
جماعة خططت لاغتيال عبد الناصر ،ومن العداء إسلامية ،أي ما دام لم يسلِّم نظام ناصر الحكم
لجماعة الإخوان المسلمين باعتبارهم يتاجرون لجماعة الإخوان المسلمين ،ظل الله على الأرض،
بالدين ،إلى أن يصبح منظر الجماعة وواضع
وبالتالي لسيد قطب نفسه من ِّظر الجماعة،
دستورها. وواضع منهج الحاكمية ..المسألة في الأخير –
سيظل سيد قطب في ظني مثي ًرا للخلاف وباعثًا إذن -صراع على السلطة لا غير ،والمدهش أنه
ناتج عن موقف شخصي ،فقد كان قطب يأمل
على الجدال والنقاش لفترة طويلة ،بالنظر أن يوليه الضباط وزارة التربية والتعليم لينفذ
إلى آرائه التي تغذي فكرة التفوق الكامل أفكاره في تطويرها حسبما أوردها في مقالات
لدى المؤمنين برسالة الإسلام ،باعتبار أنهم
مختارون من الله ،وأنهم على صواب وكل من سابقة له ،قبل وبعد بعثته إلى أمريكا التي
دونهم على خطأ ،وأي ًضا لأنه وضع دستو ًرا استمرت عامين ( )1950 -1949للحصول على
لجماعة الإخوان المسلمين التي عانت طول
تاريخها من كونها جماعة باهتة بلا دستور دورة في تطوير التعليم والمناهج.
ولا هدف ،كانت تتقلب بين السياسي والدعوي إن دارس منهج سيد قطب لا يجب أن تفوته
دون حسم ،حتى جاءها سيد قطب الذي سمة في بناء شخصيته أجدها في غاية الأهمية،
سيخلُ ُد في ضميرها طالما ظلت باقية ..وأخي ًرا تقف وراء ما ذهب إليه في كتابه المشكل «معالم
لأن حاك ًما مستب ًّدا قتله شن ًقا ،حاكم لا يختلف في الطريق» الذي هو دستور كل الجماعات
عنه كثي ًرا في الاستئثار بالسلطة المطلقة ،وتأميم
الرأي باعتباره الفاهم الأوحد والمنظر الكبير.. العنيفة على خلفية إسلامية ،وهي أنه كان
هذا الإعدام الذي رفضه خصوم سيد قطب متسل ًطا منحا ًزا لرأيه بالكامل باعتباره الصواب
أنفسهم ،فتحول به وبعده إلى أيقونة ،ووج ًعا في المطلق ،وراف ًضا أي رأي مخالف باعتباره خطأً
مطل ًقا ،وهو في الخلاف ذهب إلى تكفير الآخر،
الضمير الثقافي سواء أكان فر ًدا أو مؤسسة أو أمة ،بل إنه ك َّفر
العالم كله ،هذا الشطط لم يأ ِت من فراغ ،فقد
كان دائم الترديد في مقالاته إن (الشعب) مغيب
وجاهل ومنقاد ،ولا أمل فيه ولا حق له سوى