Page 93 - merit 46 oct 2022
P. 93
91 إبداع ومبدعون
قصــة
فرغوا حا ًل ،ولم يجد أحدهم مبر ًرا يقنعهم ويفسر وأمتدح الظل!».
لهم ما حدث؟ شعروا بحرارة جسده فوق أسرتهم. ولأني أجد هاتين الميزتين في الكثير من الأماكن ،لا
أشكره ولا أطلب تفسي ًرا ،ربما خج ًل من نغمة الثقة
الذكور لم يغفل لهم جفن ،الأزواج يتابعون
الزوجات أثناء تقلبهن على السرير ،والمراهقات التي يتحدث بها ،ومن هالة الوقار الهائمة حول
القادرات على ولادة الأحلام ،بدأن بالبحث تحت سحنته.
جلبابهن قبل الخلود إلى النوم ،وفي الصباح همسن
إلى بعضهن بما شعرن به من عسعسة وقشعريرة. أيقنت أنه يتربص بي ،حتى اعتدت اقتحامه المباغت،
فلما بلغ الهمس أُذني الجد العجوز ،ولأن جسده رأيته من على البعد يرفع نظارته المدعمة بالبلاستر
سجل لتاريخ البطولة في البلاد منذ عقود بعيدة، الطبي ،يلتقمنى بعينيه المجردتين .قال لي إنه ورث
وأيامه ما عرفت الخبائث الخفية أب ًدا ،قرر أن يكتفي عن أبيه بعد النظر ،ويفيض في وصفه لنعمة طول
النظر عليه ،وأعجز عن إفهامه الفارق بينها ،أخي ًرا
بصورة واحدة ،ينقلها ﺇلى غرفة نومة. اعترف وقال إنه يتعرف عليَّ من رائحتي ،وهو يكاد
انتهت المهمة ،ذهب الجميع ،إلا من الجد الذى فضل
يبصر ضوء الشمس نها ًرا!
أن يبقى نهار أول يوم من رمضان صائ ًما ،يقرأ يقطع المسافة بيننا في خطوات وئيدة ،منثني الرقبة،
ما في صورته من أحداث مضت في رمضان الذي
حارب فيه ولم يمت! لم يمت لأنه كان أخبث من كل منحني الجذع ،حتى يرتطم بي من فرط انهماكه
زملائه! وظل الجد يقص ويكرر ،ولأنها المرة الألف بالعبث في أزرار ساعته الفخمة .حرت في أمره ،لم
حفظها الأبناء والأحفاد ولأنه شهر الصوم ،فيجب
أعد أسأله في شيء ،فهو لا يتحدث إلا عما يريد
تذكر الحكمة والموعظة الحسنة وليس من بينها الحديث عنه.
موت رفيق الجد هذا!
ودو ًما يبدأ جلسته معي بالسؤال عن موقع عقربي
مضت أيام رمضان ولياليه ،برفقة صورته وهو ساعتي ،أجيب بقدر كبير من اللامبالاة ،يهيج في
داخل بزة الجنود مبتس ًما وحده ،فلما فتحوا عليه وجهي ،ويلعن صفة اللامبالاة ف َّي! ثم يبدأ رحلته
باب الغرفة ،نالت منهم الدهشة :صغر حجم الجد
وبات أقصر طو ًل ،ونحي ًفا ،وفشلوا في إقناعه أن في وصف ساعته ذات الإطار الذهبي اللامع ،وكيف
تصبح بوصلة تحدد القبلة ،وميقاتية يدق جرسها
يخرج من غرفته .تعلق العجوز بالذكرى أكثر في مواقيت الصلاة ،بها ذاكرة لأرقام التليفونات،
عما قبل .اقترحوا عليه أن يفطر فهو لم يعد يطيق أكثر ما بهرني أنها تسجل الأجزاء من الثانية ،وهو
الصوم وعنده رخصة شرعية ،رفض .تشاوروا،
يو ًما بعد يوم يتابعونه ،أحضروا الأطباء من كل ما يجعلها صالحة لمسابقات العدو الدولية!
التخصصات ،فشل الطب والأطباء ،الجد يتضاءل انقضت شهور الخريف وأنا داخل غابة هموم
الشيخ مع ساعته القيمة ،حتى فاجأني في عصرية
بشكل لافت ،كل أعضائه تخبو إلا صوته الذى
يتابع ويحكي حكايات تخصه في كل يوم من شهر يوم شتوي جديد بالاختفاء!
رمضان عن زميل كان أشجع منه ،ويقسم أنه عاش
الجد داخل ﺇطار الصورة
حتى اليوم لأنه كان أكثر الجبناء في الحرب؟!
بقي موضوع صوته الزاعق الذي لا يعبر أب ًدا عن كل ما حرص عليه جدي في ليلة رؤية هلال شهر
جسده المضعضع ،ثم بدأ يأمرهم بأمر غريب :أن رمضان ،أن يضعوا صورته؛ وهو المقاتل القديم،
يضعوه على البرواز الذهبي الذي يحيط بالصورة، في مكان بارز يراه زوار الدار ،وكل من سيتناول
تم له ما أراد فحجمه أصبح بحجم الفأر ،المشهد
جعلهم يبكون أخي ًرا ،يوم أن أصبح في حجم النملة الافطار معه غ ًدا من سكان المدينة كلهم ،وكأنه
وبلا صوت البتة ،بالرغم من رؤية الهلال وإعلان تفرغ لتلك المهمة .عاد وأمرهم أن يضعوها فوق
المفتي ،غ ًدا الأول من عيد الفطر. مقعد الصدارة ،حول الموائد ،وبقاعة استقبال
الضيوف ،وكأنه تفرغ لتلك المهمة ،أن يحيل
صورته ﺇلى كائن حي بينهم.