Page 94 - merit 46 oct 2022
P. 94

‫العـدد ‪46‬‬   ‫‪92‬‬

                                                                                 ‫أكتوبر ‪٢٠٢2‬‬

‫حسام المقدم‬

‫ِعشق آباد‬

  ‫هذا المكان‪ِ « ..‬عشق آباد»‪ .‬اقترب ْت العيون كلها من‬                                     ‫ال ُّنك َتة جاءت في موعدها‪ .‬قالها أحمد فجأة‪:‬‬
 ‫الموضع‪ ..‬هناك بالفعل فوق «أفغانستان» و»إيران»‬                                      ‫ُمد ِّرسة دراسات تا َه زوجها‪ ،‬فذهبت لتبحث عنه‬
 ‫مباشرة‪ .‬كانت أول مرة في حياتنا نسمع عن مكان‬
                                                                                      ‫في الخريطة! ضحكنا في َن َفس واحد‪ ،‬وبقينا في‬
    ‫بهذا الاسم‪ .‬قرأنا الكلمتين‪ ،‬فوق َخلفيَّة صفراء‬                               ‫انتظار دخول الأب َلة سناء التي لم تظهر طول اليوم‪.‬‬
‫مكتوب عليها بالأسود الثقيل‪ُ « :‬تر ُكما ِنستان»‪ِ .‬عشق‬
‫الكملعمنةىنلعرنفيهاخ‪،‬رفجماعمنعنمىكا«نآبلالد ِع»شهقذ‪،‬ه؟و ُهروحنماانترأويقناعه أن‬     ‫في الفصل « َد ْو َشة» كبرى ُتصاحب دائ ًما الحصة‬
                                                                                       ‫الأخيرة‪ ،‬أصوات ونداءات وخبط وزعيق‪ .‬من‬
 ‫مكافأة للأبلة سناء على بحثها ودوختها في البلاد‪.‬‬
     ‫خرج صوت مفاجئ‪« :‬لكنها تستأهل ما جرى‬                                            ‫كلمة إلى كلمة اكتشفنا أننا جميعا نفكر في ال ُّنكتة‬
                                                                                       ‫بشكل ُمتح ِّفز‪ .‬لعب ْت دماء النَّشوة في أدمغتنا‪،‬‬
  ‫لها»‪ .‬رددنا في صوت واحد‪« :‬حرام عليك‪ ،‬لماذا؟»‪،‬‬
  ‫ر َّد بضحكة ُملتوية‪« :‬لأنها ُحلوة‪ ،‬ولوحدها»! نال‬                                   ‫مع انفتاح العيون وجريان ريق المغامرة‪ .‬توالت‬
                                                                                    ‫الصور وتد َّفق ْت‪ :‬الأبلة سناء‪ُ ،‬مد ِّرسة ال ِّدراسات‪،‬‬
    ‫صاحبنا خبطات متتالية في َجنبيه وكتفيه‪ ،‬لكنه‬                                    ‫بوجهها الأبيض وصدرها ال َّطالع النَّازل‪ ،‬و ِجيبتها‬
      ‫واصل بإصرار‪« :‬إنها غير ُمتزوجة أسا ًسا يا‬                                    ‫التي ازدادت ِق َص ًرا؛ تجري حافية منكوشة ال َّشعر‬
      ‫ُهبل»‪ .‬نظرنا لبعضنا‪ُ ،‬متع ِّجبين من كلام هذا‬                                  ‫فوق تضاريس خشنة حا َّدة الارتفاع والانحدار‪.‬‬
     ‫العبيط‪ .‬كان واث ًقا‪« :‬والله صحيح‪ ،‬سمع ُت ذلك‬                                  ‫تخترق غابات وأحراش أفريقيا وأمريكا الجنوبية‪.‬‬
          ‫من أمي وهي تتكلَّم مع جارتنا عن الأب َلة‬
            ‫البيضاء العسل‪ ،‬فعرف ُت أنهما تتكلمان‬                                 ‫تمشي على الماء ُمتلفتة في الجهات الأربع‪ .‬تنادي على‬
            ‫عنها»‪ .‬شيء ما َخبا في عيوننا‪ ،‬خبا في‬                                   ‫زوجها التائه ولا ُمجيب‪ .‬تتبعنا خط سيرها جي ًدا‪،‬‬
           ‫رؤوسنا‪ .‬انقط َع َسيل الخيال‪ ،‬الذي كان‬                                      ‫منكفئين برؤوسنا على خريطة العالم المبسوطة‬
               ‫على وشك دخول المدينة ذات الاسم‬
           ‫الجميل‪ِ :‬عشق آباد‪ ،‬بل ورؤية ُمد ِّرستنا‬                                   ‫أمامنا على ال َّسطح المعدني اللامع ل ُعلبة الهندسة‬
               ‫الحلوة مع زوجها على سرير حرير‬                                        ‫التي ت ُخص أيمن‪ .‬علبة كبيرة أرسلها له أبوه من‬
                                  ‫ومخ َّدة ِريش‪.‬‬                                  ‫الإمارات‪ ،‬وأسماء البلاد عليها واضحة ج ًّدا‪ ،‬بما في‬
          ‫كان يمكن أن ُننهي اللعبة عند هذا الحد‬                                  ‫ذلك المحشورة جنب بعضها‪ ،‬وحتى تلك المنثورة في‬
          ‫المُحبط لكل تو ُّقع‪ ،‬لك َّن عفاريت خيالنا لم‬
           ‫تقنع بذلك‪ .‬ن َّط سؤال مفاجئ أعاد دماء‬                                                                       ‫المحيطات‪.‬‬
     ‫النشوة من جديد‪« :‬ماذا تفعل لو أن َك الذي مع‬                                 ‫«هنا»‪ ..‬قال أيمن نفسه وهو يحضن العلبة بك َّفيه‪.‬‬
         ‫الأب َلة سناء في ذلك البلد البعيد»؟! أضاءت‬
            ‫العيون بلمبات نيون‪ ،‬والوجوه صارت‬                                       ‫تأ َّملنا المكان الذي أشار إليه‪ .‬اسمه ُج ُزر سليمان‪،‬‬
        ‫مدهونة بلمعة نادرة‪ .‬عينان مفتوحتان على‬                                      ‫ويقع في الأعلى من أستراليا ِجهة الشرق‪« .‬لا لا»‬

                                                                                   ‫‪ ،‬قال أحدنا‪« ،‬لا ُيمكن أن يكون زوجها ُمختبئًا في‬
                                                                                   ‫مكان بعيد مثل هذا‪ ،‬حتى لو كان يبحث عن خاتم‬

                                                                                   ‫سليمان»! أضاف آخر‪« :‬صح‪ ،‬وبالتأكيد لا يوجد‬

                                                                                      ‫سرير مريح في هذا المكان ليناما عليه»! هنا م َّد‬
                                                                                  ‫واحد يده وقال‪« :‬و َجد ُّتها‪ُ ..‬يحبَّان بعضهما؛ إ ًذا في‬
   89   90   91   92   93   94   95   96   97   98   99