Page 63 - merit 41- may 2022
P. 63

‫‪61‬‬             ‫إبداع ومبدعون‬

               ‫رؤى نقدية‬

‫ميخائيل نعيمة‬  ‫إبراهيم عبد القادر المازني‬                   ‫عني عبئها فقد وجب على الأق ِّل أن أكتب مقدمتها»(‪.)15‬‬
                                                            ‫فإذا كان العقاد يشيد بما جاء في كتاب الغربال‪ ،‬فإلا َم‬
 ‫العناية باللفظ فضو ًل‪ ،‬كما أنه ُيح ُّل للكاتب أو الشاعر‬
     ‫أن يخطئ ما دام الغرض الذي يرمي إليه مفهو ًما‬                                               ‫يرجع ذلك؟‬
                                                                ‫الحقيقة أن هذا الإعجاب والتنويه‪ ،‬يرجعان إلى أن‬
‫واللفظ الذي يؤدي به معناه مفي ًدا‪ ،‬و ُيجيز أي ًضا للأدباء‬    ‫نعيمة أعجب بما جاء في كتاب الديوان لمؤلفيه العقاد‬
  ‫التصرف في اشتقاق المفردات وارتجالها‪ ،‬تماشيًا مع‬          ‫والمازني‪ ،‬فقد صدر هذا الكتاب في سنة ‪ ،1921‬في حين‬
                                  ‫قانون التطور‪.‬‬                ‫ظهر الغربال سنة ‪ .1923‬وكان العقاد والمازني قد‬
  ‫لذلك‪ ،‬يرى أن ما ذهب إليه ميخائيل نعيمة‪ ،‬يمكن أن‬           ‫شنَّا هجو ًما مباش ًرا على شعر شوقي خا َّصة والشعر‬
   ‫يكون صحي ًحا عند بعضهم‪ ،‬إلا أنه في نظره يحتاج‬
                                                                                             ‫التقليدي عا َّمة‪.‬‬
 ‫إلى تنقيح وتعديل‪ ،‬يقول‪« :‬عندي أن الأديب في ح ٍّل من‬         ‫وما ُيحسب للعقاد أنه لم يقف في هذه المقدمة موقف‬
    ‫الخطأ في بعض الأحيان‪ ،‬ولكن على شرط أن يكون‬             ‫من يتلقى الكتاب وي َّطلع عليه فحسب‪ ،‬بل إنه كان يقف‬
  ‫الخطأ خي ًرا وأجمل وأوفى من الصواب‪ ،‬وأ َّن مجاراة‬        ‫موقف الناقد كما ُعرف عنه ذلك في معظم ما كتبه‪ .‬فهو‬
                                                           ‫إن مدح ميخائيل نعيمة وأعجب بنقده وأسلوبه وآرائه‪،‬‬
 ‫التطور فريضة وفضيلة‪ ،‬ولكن يجب أن نذكر أن اللغة‬
   ‫لم تخلق اليوم فنخلق قواعدها وأصولها في طريقنا‪،‬‬              ‫إلا أنه لا يتردد في ذكر بعض الآراء التي لا ُيوافق‬
  ‫وأن التطور إنما يكون في اللغات التي ليس لها ماض‬           ‫عليها نعيمة ويخالفه فيها‪ .‬وهكذا‪ ،‬يمكننا أن نقف عند‬
     ‫وقواعد وأصول‪ .‬ومتى وجدت القواعد والأصول‬                ‫بعضها‪ ،‬والتي وافقه عليها والآراء الأخرى التي عابها‬

‫فلماذا نهملها أو نخالفها إلا لضرورة قاسرة لا مناص‬                                        ‫عليه‪ ،‬وانتقده فيها‪.‬‬
‫منها؟”(‪ .)18‬ويظهر لنا‪ ،‬أن العقاد لم يرفض هذه النظرة‬                          ‫‪ -1 /2‬الآراء التي وافقه عليها‪:‬‬
 ‫جملة‪ ،‬ولكنه قام بتعديلها من أجل الوصول إلى مذهب‬            ‫اعتبر العقاد أن معظم الآراء الواردة في كتاب الغربال‪،‬‬
 ‫وسط بين الموافقة والرفض‪ .‬فإذا كان العقاد يدعو إلى‬         ‫هي نفس الآراء والأصول التي كان ينادي بها هو رفقة‬
  ‫التجديد بكل الوسائل‪ ،‬فهو لا يريد أن يكون ذلك على‬                            ‫المازني في الديوان‪ ،‬ومن أهما(‪:)16‬‬
  ‫حساب اللغة التي أفنى كثير من علماء اللغة أعمارهم‬               ‫‪ -1‬الشعرالصحيح هو شعر الحياة‪ ،‬وليس شعر‬
 ‫في جمعها وتقعيدها للحفاظ عليها‪ ،‬وإنما يريد التجديد‬           ‫الزحافات والعلل‪ ..‬وهو ينعى على الشعر الرث الذي‬
                                                              ‫تركنا بلا شعر‪ ،‬ولم يبق في حياتنا ما ليس منظو ًما‬

                                                                                     ‫سوى أفكارنا وعواطفنا‪.‬‬
                                                             ‫‪ -2‬الشاعر يكون نبيًّا وينكر أن يكون بهلوا ًنا‪ ،‬يأتي‬
                                                            ‫بعمل غريب مثل المشي على الأسلاك‪ ،‬والانتصاب على‬
                                                              ‫الرأس‪ ،‬ورفع الأثقال بالأسنان ولف الرجلين حول‬
                                                             ‫العنق‪ ،‬إلى ما هنالك من الحركات التي تجيدها القردة‬

                                                                                                ‫أيما إجادة‪.‬‬
                                                                                     ‫‪ -3‬الشعر وحي وإلهام‪.‬‬
                                                                              ‫‪ -2 /2‬الآراء التي خالفه فيها‪:‬‬
                                                            ‫وبالرغم من أن العقاد دافع عن صاحب الغربال وأ َّيده‬
                                                               ‫في كثير من المواقف‪ ،‬إلا أنه ُيسجل نقاط الاختلاف‬
                                                               ‫الموجودة بينهما‪ ،‬وهي قليلة مقارنة بنقاط الالتقاء‪.‬‬
                                                            ‫يقول العقاد في هذا الصدد‪« :‬أما كلمتي أنا ففي خلاف‬
                                                             ‫صغير بيني وبين المؤلف لا أعرضه للمناقشة إلا لأن‬
                                                                         ‫الاتفاق بيننا في هذا الموضع عظيم»(‪.)17‬‬
                                                             ‫يريد العقاد بهذا الخلاف‪ ،‬أن ميخائيل نعيمة يحسب‬
   58   59   60   61   62   63   64   65   66   67   68