Page 58 - merit 41- may 2022
P. 58

‫افتراض وجود ذات متطابقة مع ذات‬                       ‫يقترح ريكور لتعويض نقص الهوية‬

‫أخرى رغم تعدد حالاتها عبر الزمان‬                     ‫الشخصية ضمن البعد الزمني للوجود‬
 ‫واختلاف المكون التاريخي والثقافي‬

‫والاجتماعي بين الأشخاص‪ ،‬والتكوين‬                     ‫الإنساني‪ ،‬إعادة الاعتبار للنظرية‬

‫الذاتي‪ ،‬ووجودها الخاص‪ ،‬مع إهمال‬                      ‫السردية من زاوية مساهمتها في‬
  ‫البعد المتحرك والزمني للذات‪ ،‬مما‬

‫يؤدي إلى إلغاء ذاتية الذات وما تتميز به‬              ‫تشكيل هوية الذات‪ ،‬عن طريق‬

‫من خصوصية وتغير وتبدل وانفتاحها‬                      ‫تسريد هذه الأخيرة على مستوى‬
               ‫على الآخر وعلى العالم‪.‬‬

‫كما تناول بول ريكور الهوية الجماعية‬                  ‫النص بواسطة الخيال وليس التاريخ‪،‬‬

‫إلى جانب الهوية الفردية في إطار الربط‬                ‫لأن الخيال يلعب دوًرا مه ًّما وليست‬
    ‫الفلسفي بين السرد والذات‪ ،‬حيث‬

‫تتحول حياة المجموعة إلى نسيج سردي‬                    ‫الوقائع التاريخية في فهم الذات‪،‬‬

 ‫يشترك الأفراد في نسجه عبر إعادة‬                     ‫فالهوية السردية تظهر بشكل‬
‫تصوير تجاربهم في قصص وسرود‬

‫لا متناهية‪ ،‬مؤدية إلى تشكيل صورة‬                     ‫أفضل حين يروي أحدهم قصة حياته‪.‬‬

‫مشتركة‪ ،‬مما يساهم في بناء هوية‬

‫جماعية؛ لأن الهوية السردية تشكل‬

    ‫تقاط ًعا بين التاريخ والقصص‪ ،‬ومن‬                   ‫على مستوى الهوية العينية‪ ،‬وبذلك يؤسس جدلية‬
    ‫خلال تحديد هوية للفرد أو للجماعة عن طريق‬             ‫العين والغير‪ ،‬بهدف تشكيل هوية ترضى عنها‬
 ‫السرد‪ .‬ويفهم من هذا الكلام أن بول ريكور جعل‬            ‫الذات‪ ،‬ولو على مستوى النص‪ ،‬هذا الأخير الذي‬
‫من الحبكة والفعل دلائل سردية على الهوية‪ ،‬وكأنه‬
     ‫يقول‪« :‬ق ْل لي ما تفعل أق ْل لك من أنت»(‪ ،)6‬من‬  ‫يفسح للفرد أن يعبر عما يختلجه داخليًّا بكل حرية‪،‬‬
‫خلال الفعل والعمل الذي تؤديه‪ ،‬يمكن تحديد وعيك‬        ‫متحر ًرا من القيود التي يفرضها الواقع الموضوعي‪،‬‬
   ‫الطبقي‪ ،‬أو وعيك الذاتي بصفة عامة‪ ،‬بل يتجاوز‬       ‫ويبين أن حياة البشر على مستوى الهوية السردية‪،‬‬
‫إلى تحديد هويتك الخفية‪ ،‬هذا ما يدل على أن الهوية‬
   ‫الفردية يمكن أن تنطبق على الجماعة كما تنطبق‬            ‫تصبح أسهل للقراءة وأمتع حين تؤول حسب‬
 ‫على الفرد رغم الاختلاف بينهما حسب اعتقاد بول‬         ‫الحكايات التي يرويها الناس عن تجاربهم‪ ،‬وقابلية‬

                                        ‫ريكور‪.‬‬         ‫هذه التجارب للفهم عبر تحبيك التاريخ والخيال‪،‬‬
   ‫لكن السؤال المطروح هنا‪ :‬ما مدى تطابق الهوية‬       ‫حيث يقدم بول ريكور مثا ًل عن ذلك الذي يتمثل في‬
   ‫الفردية مع الهوية الجماعية؟ أو متى تبدأ الهوية‬
                                                                       ‫بني إسرائيل في الكتاب المقدس‪.‬‬
      ‫الفردية وتنتهي الهوية الجماعية؛ في ظل عدم‬        ‫فالسرد أضحى مرآة الذات الفردية والجماعية في‬
    ‫التطابق بين الذوات والتاريخ الشخصي للذات‪،‬‬         ‫ظل تعرف الذات عن نفسها‪ ،‬حينما تروي تجاربها‬

       ‫والوسط الاجتماعي‪ ،‬ودرجة الوعي بالمعرفة‬            ‫عبر سرد حياتها الممتحنة بالمعاناة‪ ،‬وتجعل من‬
   ‫الذاتية؟ وماذا يمكن القول عن الأشخاص الذين‬            ‫الحكاية وسيلة للدفاع عن الذات وتطهيرها من‬
                                                     ‫نظرة الآخر‪ ،‬الذي يكون قد ساهم في تلويث سمعة‬

‫يريدون هدم الهوية الجماعية التي تكبلهم‪ ،‬من‬           ‫الذات عبر تأريخ الأحداث أو الحكي‪ ،‬أو إقصائها‪،‬‬

‫كما حدث لجسد وتاريخ المرأة‪ ،‬وبهذا تكون المعرفة أجل بناء هوية فردية مغايرة للواقع أو النظرة التي‬
                                                     ‫الذاتية هي ثمرة الحياة الممتحنة بالعناء‪ .‬إلا أننا‬
‫ينظر بها إليهم؟‬

‫نجد أن الهوية الشخصية تقع في تناقض ناتج عن كما أنه إذا تمكن الفرد من الوعي بالتاريخ والمعرفة‬
   53   54   55   56   57   58   59   60   61   62   63