Page 55 - merit 41- may 2022
P. 55

‫‪53‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

                                                   ‫عبد الغفور روبيل‬

                                                                ‫(المغرب)‬

                   ‫الهوية السردية‪..‬‬

    ‫ومأزق الكينونة والسرد‬

  ‫هل يمكن رسم صورة حقيقية عن الذات بكتابة السيرة الذاتية والكشف‬
       ‫عن المك ِّون التاريخي لها؟ وبصيغة أخرى‪ :‬هل يمكن تشكيل هوية‬

‫حقيقية أو أكثر ذاتية عن الذات بالحكي والسرد «القصة‪ ،‬الرواية‪ ،‬الشعر‪،‬‬
 ‫النصوص التاريخية‪ ،‬الحكايات الشعبية»؟ ألا يمكن القول إن بول ريكور‬

     ‫أغفل مميزات كل حقبة زمانية‪ ،‬فمث ًل نحن نعيش في عصر الفردانية‬
 ‫وعصر ألزهايمر‪ ..‬هل تحاول الذات انتزاع الاعتراف من الآخر والظفر به‪،‬‬
‫ومنحه حق الضيافة والإقامة الوجودية في قلب الهوية؟ إلى أي حد يمكن‬
‫عد التاريخ‪ ‬والقصص والصور التي أنتجتها سلطة الهيمنة الذكورية حول‬

                            ‫المرأة تعبي ًرا عن هويتها ومكانتها الحقيقية؟‬

      ‫على ما يسميه أرسطو وحدة الفعل‪ ،‬وترتيب‬          ‫ترجع صعوبة إشكالية تحديد مفهوم الهوية‬
     ‫الأحداث‪ ،‬فقد كان تقليد الفعل وتمثيله أساس‬
   ‫الحبكة الأرسطية في ظل محاكاة العالم الحقيقي‬     ‫السردية إلى توسع دائرته‪ ،‬وارتباطه بعدة مفاهيم‬
    ‫الخفي‪ ،‬والقائم على الإعلاء من شأن الفعل‪ ،‬في‬     ‫ذات بعد فلسفي ونقدي‪ ،‬خاصة تلك التي تشكله‬
‫المقابل لم تحظ الشخصيات لدى أرسطو بالاهتمام‬
 ‫المطلوب‪ ،‬هذا ما أدى ببول ريكور إلى جعل كل من‬            ‫في ارتباطه بمكونات السرد والجنس الأدبي‬
‫الحبكة (الحياة الشخصية) والفعل والاسم الخاص‬         ‫والزمان‪ ،‬بالإضافة إلى مفهوم الكينونة‪ ،‬وما يزيد‬
‫دلائل سردية في تحديد الهوية‪ ،‬إلا أنه أعطى للفعل‬    ‫الأمر تعقي ًدا‪ ،‬هو في معرفة التماثل والاختلاف بين‬
 ‫مركز ثقل في تحديد الهوية السردية‪ ،‬نظ ًرا لمكانته‬   ‫«الهوية السردية» و»الهوية الأنطولوجية»‪ ،‬ومدى‬
 ‫وقوته في تحديد الهوية‪ .‬يقول عبد الرحيم جيران‬       ‫تفاعلهما في تشكيل الهوية ورسم حدودها داخل‬
     ‫في هذا الصدد «ولا يعد هذا التصرف النظري‬         ‫العمل الإبداعي وخارجه‪ ،‬حيث يقوم السرد على‬
‫مجرد اختيار منهجي‪ ،‬بل هو أي ًضا اختيار فكري‪-‬‬
   ‫أيديولوجي؛ فالفعل هو مجال تبدي العلاقة بين‬         ‫التخييل في تمثيل العالم أو بناء عوالم في قوالب‬
‫الذات والموضوع‪ ،‬والعلاقة بينها والآخر‪ .‬ومن ثمة‬         ‫إبداعية‪ ،‬وإظهار التناقضات والصراعات التي‬
                                                      ‫تعيشها الذات والمجتمع‪ ،‬وعلى مستوى العلاقة‬
          ‫فهو يسمح بإدخال الآخر إلى الهوية»(‪.)1‬‬       ‫بينهما‪ ،‬إضافة إلى بناء الهوية السردية باعتماد‬
   ‫كما تطرح مسألة الهوية السردية عدة إشكالات‬
                                                    ‫عدة مكونات سردية‪ ،‬كالحبكة‪ ،‬والزمان‪ ،‬والفعل‪،‬‬
                                                                                          ‫والذات‪.‬‬

                                                   ‫لقد تأسست الحبكة من منظور السرد الكلاسيكي‬
   50   51   52   53   54   55   56   57   58   59   60