Page 51 - merit 41- may 2022
P. 51

‫‪49‬‬          ‫إبداع ومبدعون‬

            ‫رؤى نقدية‬

                                                     ‫كان هاج ًسا يعايشه الغمري‬
                                                       ‫دائ ًما‪ ،‬فالاختيار اكتشاف‬

                                                    ‫لإمكانات الذات‪ ،‬بالإضافة إلى‬

                                                    ‫ذلك أتيحت للغمري فرصة‬

                                                    ‫عرض محاولاته على كثير‬

                                                    ‫من النقاد والمبدعين الذين‬

                                                    ‫تأسست علاقة صداقة بينه‬

                                                    ‫وبينهم من اللقاء في الفضاء‬

                                                    ‫الحقيقي‪ ،‬فأفاد من خبراتهم‪،‬‬

                                                    ‫وتأكد من استقبال وجهات‬

                                                    ‫نظرهم ‪-‬لما سطره في‬

                                                    ‫أوراقه‪ -‬أنه بالفعل يستكمل‬

                                                    ‫مشرو ًعا لا ينفصل عن‬
                                                    ‫رحلته الفضائية‪ ،‬وأن الزمان‬

                                                    ‫لم يقطع طريق أمسه عن‬

‫مكاوي سعيد‬  ‫محسن الغمري‬    ‫أنطوان دو سانت إكزوبيري‬                    ‫غده‪.‬‬
                                                    ‫اتجه الغمري بإرادة واعية‬

                               ‫لحظات بلا أقنعة‪.‬‬           ‫إلى الفن السردي في القصة والرواية‪ ،‬بعد قراءة‬
    ‫عالم الغمري تشكل من استقبال الذاكرة البصرية‬      ‫تاريخه الشخصي‪ ،‬وتكوينه النفسي‪ ،‬ومعاينة خبراته‬
   ‫لألوان الخريطة الكونية‪ ،‬وإحاطته الإدراكية بصور‬
 ‫البشر مع وحدة النسق الباحث عن الجمال والحرية‪،‬‬         ‫في تحقيق التآلف القولي بين الواقع والمتخيل‪ ،‬أدرك‬
 ‫وسعي الناس على اختلاف مذاهبهم للهبوط في أودية‬       ‫أن الإبداع تحليق جديد‪ ،‬وهو على يقين أن عالم الأدب‬
   ‫العمران‪ ،‬والعودة لفردوس الأوطان‪ ،‬تذ ِّكرك أجواء‬  ‫يتيح له أن ينظر إلى التجربة الإنسانية بتلك العين التي‬
                                                    ‫تميزه‪ ،‬العين التي تقترب وتبتعد وهي تمر على شريط‬
      ‫سرد الغمري بالأديب الطيار أنطوان دو سانت‬       ‫الرؤية‪ ،‬أو حين يفتح مغارة الذاكرة ليحلل محتوياتها‬
‫إكزوبيري صاحب «الأمير الصغير» المغامر في ممرات‬
                                                       ‫الدرامية التي شارك فيها أو كان شاه ًدا عليها‪ ،‬وما‬
           ‫التخيل‪ ،‬و»أرض البشر» الجامعة للغرباء‪.‬‬       ‫أكثر ما يشاهده من كانت رحلات الطيران بالنسبة‬
    ‫كانت هناك الرحلة الإبداعية التي قرر الغمري أن‬      ‫إليه عم ًل يوميًّا‪ ،‬يتعامل فيه مع جنسيات من الأمم‬
‫يخوضها وهو يحمل حقيبة ذكريات ناطقة بالحكايات‪،‬‬       ‫كافة‪ ،‬وأنماط من الناس تختلف مواقفهم تجاه الظاهرة‬
‫ويمكن أن تعد قصة «النطاطين» بمجموعته القصصية‬        ‫الواحدة‪ ،‬وهذا نموذج فذ لتعدد وجهات النظر في عالم‬
      ‫الأولى القفز فوق السحاب (طبعة أولى‪ ،‬المصرية‬
  ‫السعودية ‪ .2007‬طبعة ثانية‪ ،‬قباء الحديثة ‪)2008‬‬                                          ‫السرديات‪.‬‬
   ‫صورة شعورية لموقفه الواعي الذي أدرك ضرورة‬          ‫سيفيد الغمري من نسق وحدة الدال وتعدد المفاهيم‬
                                                    ‫في بنيات قصصه‪ ،‬كانت القصص بالنسبة إليه رحلات‬
       ‫البحث عن الكون الآخر الذي يستوعب توهجه‬       ‫طيران روحية تم َّسك بها المضيف الجوي الذي لا يريد‬
                                                      ‫أن يكتفي بحياة أرضية تقليدية بعد أن يترك المهنة‪،‬‬
‫النفسي بعد رحلة العمر المهنية الجوية‪ ،‬أصبح الإبداع‬
                                                    ‫لقد أيقن أن وجوده في السرد هو التواصل الجمالي‬
‫لمشروع الذات الذي بدأ من الوعي بالكلمة في المدرسة القصصي والروائي هو المجال الذي يحتوي تطلعاته‬
‫الروحية في أفق تمتد فيه رؤيته بحثًا عن الإنسانية‬
                                                    ‫الأولى‪ ،‬للوعي بفعل النماء في دراسته للزراعة‪ ،‬لتأمل‬

            ‫الأنماط البشرية المتنوعة مثلها مثل الأشجار والزهور المثالية الذي ظل يجوب العالم لاكتشافها‪.‬‬

‫وربما يمنحنا الغمري بتجربته الثنائية ‪-‬العمل في حقل‬  ‫في لقاءات عابرة بقارات العالم‪ ،‬تجمعها الغربة في‬
   46   47   48   49   50   51   52   53   54   55   56