Page 46 - merit 41- may 2022
P. 46

‫العـدد ‪41‬‬  ‫‪44‬‬

                                                       ‫مايو ‪٢٠٢2‬‬

       ‫فالشاعر يجعل من تسمية «سيدي» الصوفية‬                                  ‫وما يختلف هو مقدار الفراغ‬
  ‫مشابهة لكلمة «سان» الفرنسية التي تعني القديس‪،‬‬                ‫الذي يتركه الشرخ على الذات علاقة بالجسد‬
‫فيصير سادة الصوفية مماثلين للقديسين الكاثوليك‪،‬‬
                                                                                          ‫ضوئية نارية‬
     ‫ولا تستطيع باريس هكذا أن تدعي بأنها أفضل‬                                      ‫هي فصل في الجحيم‬
   ‫من نظيرتها فاس‪ ،‬فللأخيرة كذلك أبوابها ونهرها‬
                                                                                                  ‫رائع‬
                                     ‫وقديسوها‪.‬‬           ‫لكن ما يستوقف الأنظار هو أن فضاء فاس في هذه‬
  ‫ويتمادى شاعرنا ‪-‬في مستوى ثالث‪ -‬في ربط فاس‬
 ‫وباريس بعروة وثقى لا انفصام لها‪ ،‬عندما يجعلهما‬            ‫التجربة الشعرية لا يحضر وحده بل إزاءه مدينة‬
   ‫يتوحدان وفق فهم صوفي لا تخطئه العين والأذن‬            ‫باريس‪ ،‬مما يجعنا نصبح أمام زوج فاس‪ /‬باريس‬
                                                       ‫بإيحاءاته التي قد نفترض مبدئيًّا أنه تقاطب فضائي‪،‬‬
                       ‫عندما يقول (ص‪ 93‬و‪:)94‬‬             ‫أي زوج يتضمن فضاءين متعارضين ومتناقضين‪،‬‬
                       ‫لا فرق بين الباء الباريسي‬
                                                                 ‫يحيل الأول على العرب والثاني على الغرب‬
                                  ‫والفاء الفاسي‬                  ‫بحمولاتهما الحضارية والثقافية المختلفة‪.‬‬
                                    ‫فالقلم واحد‬         ‫إلا أننا ومن خلال الاقتراب أكثر من قصيدة «أبواب‬
                                                        ‫باريس» نكتشف أن زوج فاس‪ /‬باريس ليس تقاطبًا‬
                                  ‫والنون واحدة‬          ‫فضائيًّا لكون الفضاءين لا يتعارضان ولا يتقابلان‪،‬‬
                                   ‫والكون واحد‬             ‫بل ولا حتى يختلفان‪ ،‬إذ نجد الشاعر يجعلهما في‬
                        ‫وما ثمة غير حجاب العزة‬         ‫مستوى أول فضاءين متجاورين ومتقاربين‪ ،‬يقول في‬
                                ‫يفضح آلة الوقت‬
                          ‫وما يتبقى إلا ظل الظل‪.‬‬                                   ‫الصفحتين ‪ 86‬و‪:87‬‬
      ‫تتوحد أحرف باريس وفاس لكون القلم واحد‪،‬‬                                      ‫صديقي في بوابات الله‬
     ‫والمداد واحد بدلالة النون التي تعني وفق بعض‬
    ‫المفسرين الدواة‪ ،‬فقط حجاب العصبية والاعتزاز‬                                          ‫في أبواب الدنيا‬
‫بالخصوصيات هو الذي يمنع من رؤية الحقيقة التي‬                              ‫في سين باريس وتخنث راءاتها‬
   ‫هي أن كل تلك الفروقات هي مجرد ظلال وأوهام‪،‬‬                               ‫المشابهة ل ُع ُمر يحملني كالرعد‬
   ‫فالوحدة هي الأصل‪ ،‬أما الاختلاف فهو من صنيع‬
   ‫«الشوفينية» البغيضة التي لا ترى في الآخر إلا ما‬                                       ‫في باب الفتوح‬
   ‫يفصله عن الذات‪ ،‬هذه الأخيرة لا تستطيع تحقيق‬                                        ‫في جامع الأندلس‬
           ‫وجودها بغير التقابل ال َم َرضي مع الآخر‪.‬‬                                   ‫في باحة القرويين‬
     ‫صحيح أن الشاعر قد استطاع من خلال الزوج‬                                  ‫في ِسي ِن باريس و َس ُبو فاس‬
     ‫الفضائي فاس‪ /‬باريس الانتصار لفكرة انفتاح‬                       ‫أمام كاتدرائية القلب المقدس لنوتردام‪.‬‬
   ‫الحضارات وتآلفها‪ ،‬وتجاوز النظرة السائدة التي‬           ‫فالفضاءات في فاس وباريس تقف جنبًا إلى جنب‪،‬‬
      ‫تجعل من الخصوصية الثقافية در ًعا واقيًا من‬           ‫وبوابات الله الفاسية مع أبواب الدنيا الباريسية‪،‬‬
‫الاختراق الخارجي‪ ،‬متمترسة خلف ذاتيتها التي تنظر‬            ‫وجامع الأندلس بجوار كاتدرائية نوتردام‪ ،‬ونهر‬
    ‫دائ ًما بعين الريبة للآخر‪ ،‬متوس ًل للوصول لهذه‬     ‫السين الذي يخترق باريس صنو نهر سبو الذي يمر‬
   ‫الغاية برؤية فنية وجمالية متميزة قوامها تفضيء‬           ‫بضواحي فاس‪ ،‬فلا فرق بين هذه وتلك‪ .‬بل نجد‬
‫الذات والآخر‪ ،‬فذات الشاعر تصبح فضا ًء قائم الذات‬           ‫الشاعر في مستوى ثان يذهب بعي ًدا عندما يجعل‬
 ‫هو مدينة فاس مدينة العلم والتصوف‪ ،‬والمحيلة على‬           ‫هذين الفضاءين متشابهين ومتساويين (ص‪:)60‬‬
 ‫المرجعية العربية الإسلامية الصوفية المنفتحة كونيًّا‪،‬‬                ‫ينفتح الاسم‪ ،‬ينفتح الفم ينفتح الباب‬
    ‫بينما الآخر المحيل على المرجعية الغربية المسيحية‬
     ‫الكاثوليكية فيتقمص فضاء مدينة باريس مدينة‬                                           ‫والحظ حظوظ‬
                                                                                 ‫و»سيدي» ُقبالة « َّسا ْن»‬
                                                                      ‫َّسان ِجي ْل‪َّ ،‬سان ِجيرما ْن‪َّ ،‬سان ُّبو ْل‬
                                                             ‫سيدي ُبو ِجيد َة‪ ،‬سيدي بليوط‪ ،‬سيدي ِح ْر ِز ِهم‬
   41   42   43   44   45   46   47   48   49   50   51