Page 44 - merit 41- may 2022
P. 44

‫العـدد ‪41‬‬             ‫‪42‬‬

                                                        ‫مايو ‪٢٠٢2‬‬

       ‫وكأنها باب الفتوح القادم من مقبرة الشيخ‬              ‫‪ -1‬المسار الأول‪:‬‬
              ‫ومن تأويل الخاصة لفوضى العامة‪.‬‬            ‫الباب كحد فاصل وواصل‬
                   ‫باب الأبواب تسح لبهاء الشعر‬
                    ‫وموسيقى الإلكترون المزاحمة‬          ‫الباب حاجز‪ ،‬الباب فارق بين الداخل والخارج‪ ،‬بين‬
                       ‫لبحة سيدة الميترو الغنوج‪.‬‬           ‫الذات والآخر‪ ،‬إنه الحد الذي يفصل بين الأشياء‬
             ‫انفتاح لانغلاق ومعادلة مرتبة وغير‪..‬‬          ‫ويمنع من اختلاطها وتمازجها‪ ،‬ويحفظ لكل حيز‬
                                 ‫تهدم جدا ًرا هنا‬            ‫كينونته ووجوده في منأى عن العالم‪ ،‬ويحمي‬
                          ‫وتضبط تأشيرة المرور‬                               ‫حميميته من جحيم الآخرين‪.‬‬
                      ‫الجماعي صوب النار هناك‬
                                 ‫أو صوب الجنة‬            ‫فعند ملاحظته لعملية انتظام الفضاء داخل النص‪،‬‬
                                                         ‫يرى «يوري لوطمان» أن البنية الفضائية لا تشكل‬
 ‫فالباب إ ًذا كان فاص ًل طوبولوجيًّا طبيعيًّا‪ ،‬فهو هنا‬
    ‫لا يفصل بين المتعارضين فقط بل يصل بينهما‪،‬‬               ‫داخل أي نص وحدة منسجمة‪ ،‬ولا ُك ًّل متناغ ًما‬
                                                           ‫ومتس ًقا‪ ،‬بل ينقسم الفضاء إلى أحياز متمفصلة‪،‬‬
  ‫إذ يسمح بتجاور تأويل الخاصة وفوضى العامة‪،‬‬                ‫أي متصلة ومنفصلة في الآن ذاته‪ ،‬هكذا سيبلور‬
‫ومزاحمة موسيقى الإلكترون لبحة السيدة الغنوج‪،‬‬
‫وتداخل الانفتاح مع الانغلاق‪ ،‬ليعود الباب في نهاية‬           ‫«لوطمان» مفهوم الحد الذي يكتسب ‪-‬بوصفه‬
‫المقطع بعد أن يزيل الفاصل «تهدم جد ًرا هنا»‪ ،‬يعود‬       ‫عنص ًرا فضائيًّا‪ -‬أهمية كبيرة‪ ،‬لكونه يقسم الفضاء‬

    ‫للفصل من خلال ضبط المرور‪ ،‬مراقبة العابرين‬                 ‫إلى شقين لا يمكن أن يتداخلا‪« ،‬ويتميز الحد‬
                       ‫نحو النار أو صوب الجنة‪.‬‬              ‫بخاصية أساسية هي استحالة اختراقه‪ ،‬وتمثل‬
                                                         ‫الطريقة التي يفصل بها الحد بين شقي النص من‬
‫إن مرونة الباب كحد فاصل تعود في اعتقادي لكونه‬
 ‫لا يفصل بين أحياز فضائية ذات طبيعة مادية كما‬                             ‫خصائص النص الجوهرية»(‪.)16‬‬
  ‫يرى «لوطمان»‪ ،‬بل لأنه يقف على خطوط التماس‬                 ‫فهل يمكن اعتبار الباب في ديوان «باب الفتوح»‬
 ‫بين أحياز ذات طبيعة ذهنية‪ ،‬يسهل تجاورها دون‬            ‫بمثابة الحد الفاصل بين أحياز متمفصلة؟ وهل ح ًّقا‬

    ‫أن تبغي إحداهما على الأخرى‪ ،‬فحكمة الخاصة‬                                          ‫يستحيل اختراقه؟‬
     ‫لا تكتسب قيمتها إلا داخل فوضى العامة‪ ،‬ولا‬                ‫إن أي ناظر للتجربة الفضائية عند العمراوي‬
 ‫يظهر البعد العفوي والطبيعي لبحة السيدة الغنوج‬          ‫سيكتشف دون كثير عناء أن هذا الشاعر يتخذ من‬
   ‫إلا عندما نضعه بجوار تصنع وصخب موسيقى‬                   ‫الباب أيقونة شعرية وتيمة مهيمنة تزين وتلحم‬
   ‫الإلكترون‪ ،‬فلا أحد يقصي الآخر لأن كينونة كل‬            ‫قوله الشعري‪ ،‬فمن عنوان الديوان «باب الفتوح»‬
                                                        ‫إلى أطول قصيدة فيه «أبواب باريس»‪ ،‬نجد الشاعر‬
          ‫واحد منهما لا تكتمل إلا بوجود نقيضه‪.‬‬          ‫يجعل من الباب موضوعته المفضلة‪ ،‬لكن من خلال‬
          ‫هكذا يصير الباب كفاصل بين الفضاءات‬                 ‫الإحالة على أبواب حقيقية‪ ،‬مثل «باب الفتوح»‬
   ‫والوضعيات المتعارضة ملم ًحا لذلك التمزق الذي‬              ‫بمدينة فاس المطل على المقبرة القديمة‪ ،‬وأماكن‬
 ‫يطول الوعي الشعري‪ ،‬بحيث يصبح تعبي ًرا متوت ًرا‬         ‫تحمل أسماء الأبواب مثل «مايو وكليشي ولافييت»‬
‫عن تقاطب فاصل‪ /‬واصل وفرقة‪ /‬وحدة‪ ،‬فالشاعر‬                    ‫التي تخترق مجموعة من الفضاءات الباريسية‬
 ‫واع بصلابة الباب كحاجز وبصلادته كحد يفصل‬
       ‫قبل أن يصل‪ ،‬لكنه يكابد من أجل تليين تلك‬                  ‫ومحطات المترو‪ ،‬فيصير بالتالي الغضروف‬
‫الصلابة مدفو ًعا بحنينه للوحدة والائتلاف‪ ،‬ورغبته‬                ‫الرئيسي لمعظم مفاصل الديوان هو الباب‪.‬‬
 ‫في إبعاد شبح العزلة والاختلاف‪ ،‬هذا الحنين وتلك‬             ‫إن الشاعر في مجمل مقاطع الديوان‪ ،‬وإن جعل‬
    ‫الرغبة التي تتعزز بشعوره النابع لست أدري أ‬              ‫الباب ح ًّدا وبرز ًخا يفصل ويفرق‪ ،‬فقد جعله في‬
  ‫من قناعة أم وهم‪ ،‬بأن لا فرق بين «باب الفتوح»‬              ‫نفس الوقت يصل و ُي َر ِّتق‪ .‬ففي قصيدة «أبواب‬
  ‫الفاسي و»باب كليشي» الباريسي‪ ،‬فالأول يتبدى‬              ‫باريس» (ص‪ )47‬نجد الباب يتخذ شكل الفاصل‬
                                                                  ‫والواصل الذي يترك الحدين متجاورين‪:‬‬
   39   40   41   42   43   44   45   46   47   48   49