Page 41 - merit 41- may 2022
P. 41
39 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
الاكتشاف من جهة ثانية ،لأن الفضاء الشعري الشعرية -والتي قوامها الاستعارة الفضائية
بناء دلالي تشييدي لا يعتمد على الدلالات المتواترة «قلبي بستان» -هي التي تمنح لهذا المكان قيمته
الفضائية ،والتي تحفز في ذهن القارئ بفعل التوتر
أو المفترضة ،لكونه سعي لاستكشاف دلالات الدلالي الحاصل بين «الدلالة المقبولة» لهذا الفضاء
جديدة من خلال تشبيكها وربطها بسياقات التلقي
والمتعارف عليها ،و»الدلالة الملائمة» من وجهة
والإنتاج ،ولأنه كذلك لا يحمل في طياته دلالات نظر هيرمينوطيقية صرفة حسب تعبير «دافيد
جاهزة أو ناجزة ،ولا أخرى خفية وعتية ،فهو كولونطوب»( ،)15تحفزه على الانتقال من فضائية
بناء يولد المعنى وينتج الدلالة التي تبقى في مطلق البستان كمكان حقيقي إلى تفضيئه كدلالة تأويلية
الأحوال تشييدية الطابع ،أي كما قلنا سال ًفا بنا ًء
ذهنيًّا يتقاطع في إنتاجه كل من الشاعر والقارئ قابلة لقراءات متعددة.
إن الفضاء الشعري تجسيد لقوى مادية (أماكن-
النموذجي. أحياز -مؤثثات )..وروحية (أحاسيس -انطباعات-
وإذا ما أدرنا الدفة نحو ديوان «باب الفتوح»،
وحاولنا مقاربته وفق التحديدات النظرية المشار قيم )..عبر ما قد نطلق عليه جزا ًفا بـ»التشبيك
إليها آن ًفا فسنقف على حضور لافت ومتميز الدلالي» ،أي بناء المعنى الفضائي ليس فقط بواسطة
للاستعارات الفضائية ،ومن خلال نموذجين اثنين
من هذا النوع من الاستعارة ،سنتبين في ما هو آ ٍت الإحالة على الدلالة المرتبطة بالحس المشترك
أهمية التشبيك الدلالي في صوغ الصورة الشعرية والعقل الجمعي ،أو على مرجعية الدليل المتوا َط ُأ
عليها لسانيًّا وثقافيًّا ،ولكن بربط دلالة الفضاء
ذات البعد الفضائي: والأماكن كذلك بتاريخية ِف ْع َ ْل إنتاج وتلقي النص
-ففي المقطع الشذري المعنون بـ»باب الحمراء» الشعري ،وبالسياق الاجتماعي والثقافي المزامن
لهذين الفعلين ،وبالدلالات الحميمية والمغرقة في
يقول الشاعر (ص:)119 الذاتية والتي قد يبنيها كل من الشاعر و»القارئ
« َر ْم ٌس ريش ٌّي
النموذجي».
يفصل بين قيمتين: إلا أن هذا الفهم لطبيعة الفضاء الشعري لا يجب
الباب والاحمرار»
أن يدفعنا للاعتقاد بأن المهم هو الانتقال من
فالرمس هنا وهو القبر ،ليس مجرد مكان لإقامة الدلالة الفضائية المقبولة والمتواطأ عليها ،إلى الدلالة
الموتى ،فهو إلى جانب دلالته الفضائية المعجمية،
يصير حام ًل لدلالات غير فضائية ،خصو ًصا عندما الملائمة والسياقية ،فالأنجع هو المزاوجة بين
ُي ْن َع ُت بالريشي ،حيث إن هذا النعت يخلق توت ًرا منطقين ،منطق المقبولية والملاءمة من جهة ،ومنطق
دلاليًّا سببه المفارقة المعجمية بين القبر الذي يحيل
على الثبات والجمود والسكون ،وبين الريش المحيل
على الحركة والخفة والتحليق .لكن الأبرز هنا هو
أن القبر يتحول إلى برزخ فاصل ليس بين فضاءين
هما عالم الأحياء وعالم الأموات ،بل بين شيئين
آخرين هما الباب والاحمرار ،واللذين اعتبرهما
الشاعر قيميتين ،أي نقلهما من صفتهما المادية
المحسوسة إلى صفة معنوية مجردة.
لكن التوتر الدلالي يتعمق أكثر لكون دلالة الفصل
لا يحيل عليها القبر فقط ،فالمفصولان بالرمس هما
كذلك فاصلين ،فالباب فاصل بين الداخل والخارج،
وبين الحميمي والغيري ،والاحمرار (الدال على
لون الدم) فاصل بين الحياة (فغالبًا ما يسمى الدم