Page 42 - merit 41- may 2022
P. 42

‫العـدد ‪41‬‬            ‫‪40‬‬

                                                     ‫مايو ‪٢٠٢2‬‬

‫متوالية من الفضاءات المتعارضة دلاليًّا ستتحكم في‬        ‫إكسير الحياة)‪ ،‬والموت (فإراقة الدم واستباحته‬
‫بنية الفضاء الشعري في هذا المقطع‪ .‬هكذا سنجد‬                                           ‫مرادف للقتل)‪.‬‬

‫فضا ًء مواليًّا سيوحي بالثبات هو اللوح‪ ،‬لكننا قبل‬      ‫هكذا بفضل الاستعارة الفضائية نصبح أمام حد‬
‫ذلك نجد فضاء آخر يتسم هذه المرة بالاتساع وهو‬         ‫فضائي فقد دلالاته المكانية وهو القبر‪ ،‬ويفصل بين‬

‫الردهات‪ ،‬وفي الأخير يأتي الطرف الثاني المكمل‬          ‫حدين أولها فضائي (الباب)‪ ،‬والثاني تم تفضيئه‪،‬‬
                                                          ‫أي تلبيسه دلالة مكانية (الاحمرار)‪ ،‬لكن ومع‬
‫للتقاطب الفضائي والمتصف بالقدرة على الحجب‬               ‫التشبيك الدلالي يصير كلا الفضائين ‪-‬الحقيقي‬
                                                            ‫(الباب) والاستعاري (الاحمرار)‪ -‬بدورهما‬
‫والفصل والرافض للتيه وهو الأستار‪ ،‬والذي يحيل‬               ‫فاصلين فضائيين كذلك‪ ،‬أي أن صفة الفصل‬

              ‫على الثبات كذلك‪.‬‬                       ‫والتفريق التي كانت للقبر‪ ،‬تم ربطها معجميًّا بنفس‬
                                                             ‫الصفة الملازمة للباب‪ ،‬وإعارتها للاحمرار‪.‬‬
‫هكذا نصبح دلاليًّا أما قطبين فضائيين متعارضين‪،‬‬
‫أولهما يتصف بالاتساع والحركية ويضم على‬                 ‫‪ -‬وفي مقطع آخر بعنوان «النجارين» (ص‪:)120‬‬
                                                                                ‫«ضيقة أبواب الواقف‬
‫التوالي الصدر والماء والردهات‪ ،‬وثانيها يتسم‬                                       ‫متسع صدر العابر‬

‫بالضيق والثبات ويضم الباب واللوح والأستار‪،‬‬                                  ‫وللماء وحده حق التلاطم‬
                                                                                     ‫في ردهات اللوح‬
‫وبالتالي نصير أمام ثلاثة من أزواج التقاطبات‬
                                                                               ‫على أستار ترفض التيه‬
              ‫الفضائية هي‪:‬‬                                             ‫لتتأمل وجه التابوت الزعفراني‬
                                                                       ‫المقابل لمكتبة «الحلوي» القديمة‬
‫متسع ‪ #‬ضيق‬    ‫الصدر ‪ #‬الباب‬
                                                                           ‫حياة أخرى‪ ،‬لحياة أخرى»‬
‫متحرك ‪ #‬ثابت‬  ‫الماء ‪ #‬اللوح‬                            ‫السطران الأولان هما بلغة البلاغة القديمة عبارة‬
                                                        ‫عن طباق‪ ،‬إذ تتقابل وعلى التوالي لفظتا «ضيقة»‬
‫متسع ‪ #‬ثابت‬   ‫الردهات ‪ #‬الأستار‬
                                                            ‫و»متسع»‪ ،‬و»الواقف» و»العابر»‪ ،‬لكن اللغة‬
‫وفي السطرين المواليين سنجدنا أمام فضاءين‬             ‫الشعرية هنا تتجاوز هذه الصيغ التقليدية‪ ،‬لتصوغ‬
                                                      ‫استعارة فضائية مركبة قوامها تشبيك دلالي قائم‬
‫آخرين يشكلان امتدا ًدا لتقاطب الحركية والثبات‬         ‫على تفاعل الدلالات المعجمية مع الإيحاء الفضائي‪.‬‬
              ‫هما‪:‬‬
                                                       ‫ولكي يتضح هذا الأمر سنعمل على تبسيطه وفق‬
‫‪ -‬التابوت الزعفراني‪ :‬وهو فضاء دال على مقام أو‬                                       ‫الترسيمة التالية‪:‬‬

‫قبر أحد المتصوفة‪ ،‬يحيل على الروحانية والعرفان‬

‫والكشف‪ ،‬أما صفة «الزعفراني» فهي مرتبطة‬

‫بحاسة البصر من خلال الإشارة إلى ذلك اللون‬

‫الذي هو قريب من الأصفر المائل للحمرة‪.‬‬

‫‪ -‬مكتبة الحلوي‪ :‬وهو فضاء يدل على مكان تخزين‬

‫وبيع وتداول الكتب‪ ،‬ويحيل على العقلانية والبرهان‬

‫والقراءة‪ ،‬بينما صفة “الحلوي” فترتبط بحاسة‬

‫الذوق من خلال الإشارة إلى الحلاوة‪.‬‬                   ‫قطب الاتساع والحركة‬   ‫قطب الضيق والثبات‬
                                                        ‫الصدر (العابر)‬       ‫الباب (الواقف)‬
‫وكلا الفضاءين يبدوان متقابلين كما هو واضح‬               ‫الماء (التلاطم)‬           ‫اللوح‬
                                                            ‫الردهات‬
‫من لفظة “مقابل” المثبتة في السطر ما قبل الأخير‪،‬‬                           ‫الأستار (ترفض التيه)‬

‫فالتابوت ذو اللون الأصفر الزعفراني الدال‬

‫على الحركية والحيوية أقرب إلى قطب الاتساع‬

‫والحركية المشار إليه سال ًفا‪ ،‬فيصبح التابوت‬          ‫التابوت (لتتأمل)‬     ‫المكتبة (القديمة)‬

‫بالتالي صن ًوا للصدر والماء والردهات‪ ،‬بينما المكتبة‬   ‫فالباب فضاء يتسم هنا بالضيق‪ ،‬بينما الصدر‬
‫الحاملة لصفة الحلاوة الدالة على ثبات هذا المذاق‪،‬‬     ‫(وهو بشكل من الأشكال يحمل دلالات مكانية)‬
                                                     ‫على النقيض واسع‪ ،‬أما الماء فيتصف بالحركية‪،‬‬
‫فتحيل على الجمود والقدم‪ ،‬فتصير بدورها أقرب‬           ‫لأنه وحده القادر على التلاطم‪ ،‬وهنا نفترض أن‬

‫لقطب الثبات والضيق‪ ،‬وتتساوق مع الباب واللوح‬

              ‫والأستار‪.‬‬
   37   38   39   40   41   42   43   44   45   46   47