Page 39 - merit 41- may 2022
P. 39

‫‪37‬‬         ‫إبداع ومبدعون‬

           ‫رؤى نقدية‬

                                                                     ‫«تاريخ بيع للتاريخ‬

                                                                     ‫تجاويف مرصعة بلون الماء‬

                                                                     ‫السالك بين اللثغة والنار»‬

                                                                     ‫(ص‪)120‬‬

                                                                     ‫‪ -‬إن جمالية الفضاء‬

                                                                     ‫تصطبغ عند العمراوي ببناء‬

                                                                     ‫الجمال انطلا ًقا من الخيال‪،‬‬

                                                                     ‫هذا الأخير عادة ما يكون‬

                                                                     ‫مشحو ًنا بوعي نوستالجي‬
                                                                     ‫وليس باستهامات مكانية‪،‬‬

                                                                     ‫فالعمراوي يستدعي‬

                                                                     ‫ذاكرته المكانية بشكل‬

                                                                     ‫بنائي يتساوق مع دلالة‬

                                                                     ‫نصوصه‪ ،‬فعندما يسترجع‬

                                                                     ‫فضاءات حميمية معينة لا‬

‫جورج بولي‬  ‫جان فيسجربر‬                                 ‫جاستن باشلار‬    ‫ينثر عليها أصباغ الكلام‬
                                                                     ‫وزخرف الألفاظ‪ ،‬بل يتركها‬
                                                       ‫تتسلل من ذاكرته على سيجيتها‪ ،‬تار ًكا لها حرية‬

     ‫الإحساس المشترك عند دخول أماكن العبادة‪،‬‬           ‫القول‪ ،‬مما يسقطه في بعض الأحيان في نوع من‬
  ‫فالرهبة التي تهز قلب الداخل‪ ،‬وأصوات المصلين‬
                                                       ‫النثرية التي تفقد نصوصه بع ًضا من كثافتها‬
   ‫والذاكرين كلها أشياء مألوفة ح ًّقا‪ ،‬لكن الشاعر‬      ‫الشعرية‪ ،‬وتضعف طاقتها الإيحائية‪ ،‬إنه يضحي‬
‫يعمل على تصويرها بطريق بسيطة إلا أنها لا تخلو‬
                                                       ‫بجمالية القول الشعري لصالح جمالية الفضاء‪،‬‬
  ‫من عمق‪ ،‬فالفضاء المكاني ذي الإيحاء الروحاني‬
  ‫العميق يكاد يكون بؤرة هذا المقطع بنائيًّا ودلاليًّا‬  ‫لأن هذا الأخير قد يبدو أكبر من أن تنسجه لغة‪ ،‬أو‬
‫ليس عبر الانزياحات والصور الشعرية المركبة‪ ،‬بل‬
  ‫من خلال نسجه خيوط الأجواء الشعرية القريبة‬                          ‫تسبكه كلمات‪.‬‬
  ‫من الروح‪ ،‬وتمديده لنفس شعري قوامه التجربة‬            ‫فمث ًل في المقطع السابع عشر من قصيدة «أبواب‬

    ‫الفضائية‪ ،‬وليس التجربة اللغوية التي لا تغيب‬        ‫باريس» المعنون بـ»في اللغط» يسترجع مشهد‬
 ‫في هذه النصوص‪ ،‬بل تبدو محتجبة وراء تضخم‬
                                                       ‫طقس صوفي ‪-‬مباشرة بعد كلامه في نهاية المقطع‬
     ‫معايشة المكان‪ ،‬والرغبة في مراودة وترويض‬
  ‫الفضاءات الحميمية‪ ،‬المستدعاة أسا ًسا من ذاكرة‬        ‫السابق عن كاتدرائية نوتردام بباريس‪ -‬ويعرض‬

                ‫موشومة بالحنين والنوستالجيا‪.‬‬                         ‫هذا المشهد المتميز على النحو التالي‪:‬‬

         ‫‪ -3‬الفضاء الشعري‬                                            ‫الصمت القاسي‬
       ‫وسيميائية التفضيء‪:‬‬
                                                                     ‫واللغط الذي لا يتوقف‬
‫انطلا ًقا من الفضاء المحاكي الذي يحتضن القصيدة‬
‫طباعيًّا‪ ،‬واعتما ًدا على التواصل المفترض مع الفضاء‬                   ‫وسابلة تقطع الطريق المؤدي إلى بيت الله‬

     ‫المعيش‪ ،‬يقوم القارئ بتحيين الفضاء المسمى‬                        ‫وهتاف بباب الدخول المخيف‬

                                                                     ‫يرج الرهبة بالرهبة‬

                                                                     ‫و «على بابك واقفين» «على بابك واقفين»‬

                                                                     ‫نشيد متماوج يصاحب الجثة‬

                                                                     ‫ويسابقها لمخرج باب الفتوح‬

                                                                     ‫أو مدخلها سيان»‬

                                                       ‫فهذا المقطع الذي لا يخلو من نثرية‪ ،‬يصور ذلك‬
   34   35   36   37   38   39   40   41   42   43   44