Page 43 - merit 41- may 2022
P. 43

‫‪41‬‬               ‫إبداع ومبدعون‬

                 ‫رؤى نقدية‬

                                                                    ‫فروحانية التابوت تتعارض‬

                                                                    ‫دلاليًّا ‪-‬كما هو واضح‪-‬‬
                                                                    ‫مع عقلانية المكتبة‪ ،‬لكن‬

                                                                    ‫لفظة “لتتأمل” تأتي‬

                                                                    ‫لتضفي على هذه الاستعارة‬

                                                                       ‫الفضائية توت ًرا دلاليًّا‬
                                                                    ‫آخر‪ ،‬ذلك أن هذا الفعل لا‬

                                                                    ‫يتلاءم مع مفعوله وهو‬

                                                                    ‫“وجه التابوت”‪ ،‬فالتأمل‬

                                                                    ‫فعل ذهني وعقلي لا يليق‬

                                                                    ‫بمفعول به ذي إيحاءات‬

                                                                    ‫صوفية وروحانية‪ ،‬بل‬

                                                                    ‫هو أليق بالفضاء الآخر‬

                                                                    ‫المتمثل في “مكتبة الحلوي”‪،‬‬

                                                                    ‫فهذا الأخير هو الفضاء‬

‫صلاح عبد الصبور‬  ‫سميح القاسم‬                       ‫ستيفان مالارميه‬  ‫المفترض للتفكير والتأمل‬
                                                                    ‫اللذين تستلزمهما قراءة‬

 ‫بع ًضا من بنيتها العميقة التي تتحكم في تشكيلها‬    ‫ومطالعة الكتب‪ ،‬لكن الشاعر يأبى إلا أن يسند فعل‬
 ‫وبنائها‪ ،‬تحتاج هذه المرة لمقاربة بنيتها السطحية‪،‬‬
 ‫كي نستطيع استجلاء الميكانزمات التي تسهم في‬        ‫التأمل لفضاء روحاني‪ ،‬بينما وبالمقابل ينعت فضاء‬

   ‫تمظهرها النصي وجلائها التلفظي على مستوى‬         ‫المكتبة بصفة “قديمة”‪ ،‬وهي صفة تبقى رغم كل‬
                                ‫القول الشعري‪.‬‬
                                                   ‫شيء ذات دلالات ملتبسة‪ ،‬فهل هي وصف حالة أم‬
‫هكذا سنتجه رأ ًسا نحو تحديد المسارات المفترضة‬
 ‫لمقاربة التمظهر النصي للتجربة الفضائية في هذا‬     ‫صفة قدحية؟ أم ترى “التأمل” الصوفي أفضل من‬

    ‫الديوان‪ ،‬باعتبارها مداخل محتملة لقراءة هذه‬     ‫قراءة الكتب العتيقة؟ والتذوق العرفاني أنجع من‬
  ‫التجربة‪ ،‬ولكي نحدد لنا طري ًقا نسير عليه يقينًا‬
                                                   ‫التفكير البرهاني؟ أسئلة تبرز عمق هذه الاستعارة‬
     ‫شرور «الزيغان النظري» و»العمى المنهجي»‬
  ‫و»الفارق النصي» والتي تتهدد عادة أي مقاربة‬       ‫الفضائية ومركزيتها في بناء المعنى الشعري‪ ،‬لدرجة‬
 ‫نقدية للنصوص الإبداعية‪ .‬فلا يمكن أن نهيم على‬
‫وجهنا في لجة القصائد‪ ،‬ونضيع في التفاصيل التي‬       ‫أن عملية بناء هذا المعنى تجعل من الفضاء الشعري‬

                             ‫تحجب عنا الغاية‪.‬‬      ‫البوابة الضرورية لولوج عالم القصيدة‪ ،‬والطريق‬
  ‫لذلك سنختار ثلاثة مسارات اشترطنا أن تكون‬
    ‫مسنودة نظر ًّيا‪ ،‬أي مدعمة بمعرفة نظرية ذات‬     ‫الالتفافية والأقصر للإمساك بشبكاته الدلالية‪.‬‬
‫مرجعية علمية محددة‪ ،‬بعيدة عن التلفيق والتعالم‪،‬‬
 ‫ومدعومة منهجيًّا‪ ،‬بتقديم أدوات للمقاربة النصية‬     ‫ثان َيا‪ :‬المسارات الثلاثة‬
                                                   ‫لمقاربة التجربة الفضائية‬
     ‫وآليات تسمح بالتدليل على قيمتها الإجرائية‪،‬‬
 ‫وأخي ًرا ملائمة نصيًّا ومتوائمة مع الواقع النصي‬   ‫إن مقاربة الفضاء الشعري في ديوان «باب الفتوح»‬
                                                   ‫للشاعر المغربي أحمد العمراوي تستلزم منا محاولة‬
   ‫للقصائد‪ ،‬بدون َ ٍّل لأعناقها ولا سلخ لجلودها‪.‬‬
                                                      ‫الإمساك بالخيوط التي تنسج التجربة الفضائية‬
                                                   ‫الخاصة التي يصوغها الشاعر‪ ،‬هذه التجربة تتشكل‬

                                                        ‫كما هو واضح سل ًفا من تفاعل فضاء الصفحة‬
                                                         ‫الشعرية والفضاء المعيش والفضاء الشعري‪.‬‬

                                                        ‫لكن هذه التجربة الفضائية إذا كنا قد أوضحنا‬
   38   39   40   41   42   43   44   45   46   47   48