Page 45 - merit 41- may 2022
P. 45

‫‪43‬‬           ‫إبداع ومبدعون‬

             ‫رؤى نقدية‬

‫يوري لوتمان‬  ‫موريس ميرلو بونتي‬                        ‫في الثاني‪ ،‬فكلاهما يفصلان ويصلان في نفس‬
                                                                                          ‫الوقت‪.‬‬
‫عن تمديد الشاعر لحميمية المكان‪ ،‬وأوضحنا كيف‬
‫أن أحمد العمراوي يعمل على أن يسكن هو و ُي ْس َكن‬         ‫لكن الدافع وراء هذا التمزق يكمن في نظري‬
                                                   ‫قريبًا مما لاحظه «جورج بولي» في دراسته القيمة‬
    ‫القارئ معه في نوستالجيا مدينة فاس كفضاء‬       ‫للفضاء عند الروائي الفرنسي «مارسيل بروست»‪،‬‬
     ‫أمومي‪ ،‬جاع ًل من هذا الفضاء وسيلة شعرية‬
‫للبحث عن ذاته وللتعبير عنها في نفس الوقت‪ .‬لكن‬          ‫إذ يعتقد بأن الفضاءات تعمل على تقليص‪ ،‬بل‬
‫هل يكون الفضاء الشعري كذلك وسيلة للبحث عن‬             ‫وحتى محاولة إزالة الفارق الذي يفصل بينها‪،‬‬
                                                   ‫والشيء الأبرز الذي يخلفه الشخص المتنقل بينها‪،‬‬
                             ‫الموضوع‪ /‬الآخر؟‬           ‫سواء أكان حقيقيًّا أو متخي ًل‪ ،‬هو ما يبدو أنه‬
     ‫يؤكد «باشلار» على أن «الفضاء داخل الشعر‬        ‫يحمل إليها من حركية ومن نشاط توحيدي عادة‬
 ‫يرتبط بالبحث عن الذات أو الموضوع‪ ،‬باعتبارهما‬
‫َت َم ُّث َل ْين متصلين بشكل وطيد بحساسية وشخصية‬             ‫ما يكون هاجسه وشاغله الرئيسي(‪.)17‬‬
 ‫المؤلف»(‪ ،)18‬فالشاعر كذات فاعلة ومتفاعلة يسعى‬         ‫وهذا الهاجس هو ما قد نراه في المقطع الآتي‪،‬‬
     ‫لإيجاد سبل تقربه من هذا الآخر‪ ،‬فباكتشافه‬      ‫والذي تتساوى فيه الأشياء لدرجة أنها تتوحد في‬
  ‫وعبر تحديد معالمه تتضح كينونة الذات وتتبدى‬         ‫إطار إشكالي‪ ،‬تتناسل فيه الأسئلة المؤرقة بدون‬
    ‫تقاسيمها‪ ،‬فالآخر ملمح رئيسي للذات ومحدد‬
                                                                         ‫إجابات شافية (ص ‪:)48‬‬
                                       ‫لهويته‪.‬‬                                ‫لمن توضع الأبواب؟‬
      ‫وفي هذا الإطار نجد الشاعر أحمد العمراوي‬                                 ‫للخاصة؟ أم للعامة؟‬
‫حريص على جعل فاس أيقونة لذاته‪ ،‬وذا ًتا مجازية‬                                ‫من يملك قرار الفتح؟‬
 ‫تتقمصها ذاته الحقيقية لكي يمسك ببعض ملامح‬                                       ‫الشيخ أم مريده؟‬
   ‫كينونته‪ ،‬ولكي يحس بذاتيته التي لا وجود لها‬                                      ‫وأيهما الأصل؟‬
                                                                                ‫الفاتح أم المفتوح؟‬
            ‫شعر ًّيا خارج مدينة فاس (ص‪:)122‬‬
                   ‫قد يكون للمكان نفس التأنيث‬        ‫‪ -2‬المسار الثاني‪ :‬فاس وباريس‬
                                                         ‫وتفضيء الذات والآخر‬

                                                      ‫إنه ارتباط دفين ذلك الذي تطفح به العديد من‬
                                                    ‫مقاطع الديوان‪ ،‬ارتباط بمدينة فاس مسقط رأس‬
                                                     ‫الشاعر ومربع صباه ومرتع شبابه‪ ،‬إنها ليست‬
                                                   ‫مجرد فضاء بل هي امتداد لذات الشاعر‪ ،‬وجوهر‬
                                                   ‫كينونته‪ ،‬ففاس القديمة البالية تتبدى في كل شيء‪،‬‬
                                                  ‫في الصمت وفي اللغط كما يقول‪ ،‬في الأبواب والأزقة‬
                                                    ‫والأسواق التقليدية‪ ،‬بل إنها تتبدى له كذلك حتى‬

                                                       ‫في أكثر المدن عصرنة وحداثة‪ ،‬يراها في أبواب‬
                                                      ‫وكنائس ومترو مدينة باريس‪ ،‬إنها تتناسخ في‬
                                                  ‫الزمان والمكان‪ ،‬وتحضر بإلحاح في الذاكرة‪ ،‬لتصير‬
                                                  ‫قد ًرا محتو ًما لا يمكن الفرار منه‪ .‬إنها جسده وعقله‬
                                                    ‫وروحه‪ ،‬بل هي في بعض المرات تبدو كذاته التي‬

                                                                 ‫يحدد من خلالها تمايزه عن الآخر‪.‬‬
                                                  ‫لقد تحدثنا ساب ًقا في الجزء الأول من هذه الدراسة‬
   40   41   42   43   44   45   46   47   48   49   50